القائمة

أخبار

هاجر فهمي.. الفتاة التي حولت السخرية إلى انتصار في رياضة "الرولر"

من السقوط على الأرض أثناء ممارسة رياضة "الرولر" (مزلجة معجلة) إلى مواجهة سخرية الآخرين، كان طريق هاجر فهمي مليئا بالتحديات. ولكنها حولت كل لحظة فشل إلى فرصة للتعلم والنمو، لتثبت في النهاية للجميع أن الرياضة ليست محصورة بالجنس، بل هي للجميع.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

نحن في يوم أربعاء من شهر يناير 2023، الساعة الخامسة والنصف بعد الزوال، في أنفا بارك، كان الجو مشمسا، وكان المكان يزخر بالحياة. لكن وسط هذه الزحمة، كانت عينا هاجر فهمي، فتاة في الـ 20 من عمرها تجلس مع صديقاتها، تراقب حركة مجموعة من الأولاد يتنقلون بسرعة بين الأمواج الإسفلتية على عجلاتهم. كانوا يقفزون، يلتفون، ويسيرون بسرعة على الرولر كما لو أنهم يتحدون الجاذبية نفسها، لدرجة أنها لم تستطع أن تحبس فضولها.

فجأة، قررت أن تذهب إلى أحد الأولاد، واقتربت منه وقالت: "هل يمكنني الانضمام إليكم في اللعب؟". رد عليها الشاب بابتسامة واسعة قائلا "بالطبع، جربي!". كانت تلك الكلمات بمثابة ضوء أخضر لبدء مغامرتها الجديدة.

لكن الأمور لم تكن بهذه السهولة. عندما حاولت أن تتوازن على العجلات لأول مرة، انزلقت ساقها ووقعت بقوة على الأرض، وأصيبت بكسر في يدها. الألم كان شديدا، لكنها لم تكن مستعدة للاستسلام. توجهت إلى المستشفى، ثم إلى البيت، ولكنها قررت ألا تخبر والديها عن سبب إصابتها، خوفا من أن يرفضوا محاولتها التالية.

هل تظنون أن المغامرة توقفت هنا؟ بالطبع لا! فبعد شهر تحديدا بعد الحادثة، قررت شراء الرولر وبدأت في التدريب بمفردها. كانت كل محاولة جديدة تثير داخلها شعورا متناقضا من الخوف والفرح. وتتذكر هاجر تلك البدايات قائلة "كانت الرياضة متنفس مرح جدا، كنت أفجر كل طاقاتي وأنا أتزلج، وأسقط وأعاود الكرة، لا يمكنني وصف الإحساس الذي أشعر به، كل ما يمكن قوله هو إحساس رائع رغم الإصابات العديدة".

لكن التحديات لم تكن فقط جسدية، بل كانت أيضا اجتماعية، فكثيرا ما تعرضت هاجر لانتقادات وسخرية من الأولاد الذين كانوا يعتبرون هذه الرياضة مخصصة لهم فقط. "اذهبي إلى المطبخ، هذا ليس مكانك، هذه الرياضة للرجال فقط، من الأفضل أن تشتري دمية" كلها عبارات كانت هاجر تسمعها يوميًا، لدرجة أنها بدأت تتجنب الذهاب إلى أماكن التدريب عندما يكون هناك أولاد. بدأت في التمرن بمفردها في الأماكن الخالية، وكانت تلك اللحظات تعني لها الكثير. مع مرور الوقت، تعلمت الكثير من الحركات وأصبحت تتحسن بشكل ملحوظ.

"بعد شهرين تحديدا، عدت إلى نفس المكان وأمام نفس الأولاد الذين سخروا مني، انصدموا من تطوري الكبير بهذه السرعة، كانوا يعتقدون أنني استسلمت. نظرتهم برهنت لي أنني على الطريق الصحيح، وأن هذه الرياضة ليست مقتصرة على الذكور فقط".

هاجر فهمي

مع مرور الوقت، بدأ اسم هاجر ينتشر، خصوصا بعد مشاركتها مقاطع فيديو لها وهي تؤدي الحركات التي تعلمتها على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، مما جعلها تحصل على شهرة واسعة، وتصبح مصدر إلهام للعديد من الفتيات اللواتي يحلمن بممارسة هذه الرياضة.

ولكن الطريق لم يكن خاليا من التحديات. في أبريل من العام الماضي، تعرضت هاجر لإصابة جديدة، هذه المرة في وجهها. وقالت "أثناء هطول الأمطار، انزلقت وسقطت على وجهي بقوة. توجهت إلى المستشفى حيث خضعت لخياطة ذقني" ولكنها اختارت ألا تخبر عائلتها. إلا أن الحقيقة لم تظل مخفية طويلا، إذ اكتشفوا الأمر بعد أن شاهدوا الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. رد فعلهم كان قاسيا، لكن بدافع الخوف على طفلتهم، فأخفوا الرولر ومنعوها من اللعب لمدة شهر كامل. ولكن هاجر لم تتوقف هنا. في سرية تامة، اشترت رولارا جديدا وبدأت في التدريب مجددا.

وفي أواخر عام 2023، بعد أشهر من التدريب، اكتشفت هاجر أن الجامعة كانت تنظم مسابقة للمتزلجين. قررت المشاركة ليس بهدف الفوز، بل لاكتشاف مدى تطورها، وللتعرف على الأفراد الذين يشتركون في نفس هوايتها. أثناء المسابقة، تعرفت على جمعية Rollschool Family وانضمت إليها. "الجمعية قدمت لي الدعم اللازم في التدريب والمعدات، وساعدتني في تطوير مهاراتي بشكل كبير".

في ماي 2024، شاركت هاجر في مسابقة "Ride avec Elle - Première Edition" وفازت بالمركز الأول، ثم أتبعت ذلك بفوز آخر في بطولة المغرب التي أُقيمت في نونبر من نفس العام.

لكن ذلك لم يكن كل شيء. اليوم، هاجر لم تعد مجرد لاعبة محترفة، بل أصبحت أيضا مدربة داخل الجمعية. كانت تدرك تماما ما تعنيه المساعدة في دعم الفتيات اللاتي يواجهن تحديات مشابهة لتلك التي واجهتها في بداية رحلتها. ولأنها كانت في البداية دون دعم أو مرشدين، قررت أن تكون هي نفسها مرشدا لكل من يحتاج الدعم والتوجيه. اليوم، هي تدرب الفتيات والشباب، من الأطفال إلى الكبار، وتعلمهم ليس فقط الرياضة، بل أيضا القوة والإصرار. كما أنها تتطلع إلى المشاركة في المسابقات الدولية، وتضع نصب عينيها الأولمبياد كهدف مستقبلي.

ورغم جميع الصعوبات والتحديات التي خاضتها، لم تندم هاجر على القرار الذي اتخذته: يوم الأربعاء، الساعة الخامسة والنصف بعد الزوال في أنفا بارك، كان تاريخًا سيظل محفورا في ذاكرتها إلى الأبد.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال