القائمة

أخبار  

دياسبو #385: بيني آدم.. حين يصبح الشعبي جسراً بين العوالم

أغنية "مك يا مك" لبيني آدم تجمع بين عالمين — المغرب والمهجر— من خلال صوت جديد أطلق عليه اسم "Draï"، وهو مزيج من الشعبي، والراي، والدريل. الأغنية، التي تشاركه فيها خديجة الورزازية، أصبحت نشيدًا واسع الانتشار لأنها جسّدت تعقيد الهوية والشعور بالفخر بكونك مغربيًا في الخارج.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

"مك يا مك" على إنستغرام ريلز، هي الضربة القوية لهذا الموسم. تنبض بالإيقاع، وتنقل جوهر عالمين: ازدواجية الهوية التي يعاني الكثير من المغاربة المقيمين أو المولودين أو المتربين في الخارج من صعوبة وصفها بالكلمات. لكن بيني آدم فكّ الشيفرة. بطريقته الخاصة، يحتفي بهذين العالمين من خلال كلمات مؤثرة محمّلة بالمعاني وموسيقى الشعبي، رفقة النجمة المحلية خديجة الورزازية.

لكن قبل أن يخوض غمار هذا النوع الجديد الذي سماه  Draï، كان بيني آدم — اسمه الحقيقي أحمد صغير — قد قطع شوطًا طويلًا. بدأت الحكاية في كندا، بعد أن قرر والداه مغادرة الدار البيضاء نحو مونتريال وهو في سن الثالثة عشرة فقط. في عالم خالٍ من وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يوتيوب ولا سبوتيفاي، كان أحمد يدرك جيدًا أنه يملك موهبة موسيقية.

فنان بالاختيار.. منتج موسيقي بالصدفة

رغم أنه كان يرغب في البداية أن يصبح رسامًا كرتونيًا، إلا أنه اكتشف عشقه للموسيقى خلال تلك الرحلة. قال في حديث مع يابلادي "كنت أحب الرسم. وأثناء الرسم، كنت أشغّل جهاز الكاسيت لساعات. كنت أستمع للموسيقى لمدة ثماني ساعات يوميًا".

ومثل أي مراهق في أوائل الألفية، أصبحت الموسيقى جزءًا من حياته تدريجيًا بفضل إيمينيم وموسيقى الراب عمومًا ومعارك الراب في المدارس. يتذكر أحمد "لم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي، وكان حلم النجاح يبدو بعيد المنال". بدأ في تجربة التأليف الموسيقي منذ سن السادسة عشرة.

وقال "كان من الصعب أن أجد شخصًا أشتغل معه في الموسيقى، فبدأت أعبث بالبرامج. وأصبحت منتجًا تقريبًا بالصدفة — واتضح أنني كنت جيدًا جدًا في ذلك".

سجّل أحمد أغانيه باستخدام كمبيوتر منزلي فقط، ونسخها على أقراص CD، وفي عالم بلا تيك توك أو إنستغرام، نجح في إيصالها. يتذكر: "ما ساعدني هو أنني كنت أشارك أغنياتي — وفي ذلك الوقت، على Messenger، كانت الأغنية التي تستمع إليها تظهر لمن هم في قائمة الأًصدقاء".

يقول ضاحكًا: "كانت هذه أداتي التسويقية". كان يصنع مقطعًا، ويضعه في الميسانجر، فيراه الناس ويطلبونه منه "كنت أرسله، وسرعان ما أصبحت أغنيتي تملأ وسيلة التواصل هاته. ثم بدأ الفنانون يتواصلون معي، ويسألون: لمن هذه الأغنية؟ وعندما يكتشفون أنه أنا، يطلبون مني إنتاج شيء لهم" وهكذا أصبح منتجًا.

بعد أن بدأ بإصدار مقاطع موسيقية باسمه، تحوّل أحمد تدريجيًا إلى منتج، يصنع الإيقاعات ويكتب الأغاني لغيره. بدأت مسيرته تنمو ببطء، وتعاون مع عدد من الفنانين. لكن نجاحه الحقيقي الأول جاء في فرنسا سنة 2016. وقال "السوق في كندا كبير، ومن الصعب أن تخترقه".

بدأت انطلاقته الحقيقية في فرنسا، حين تعاون مع الرابر الفرنسي-المغربي "نيرو"، وشارك في إنتاج ألبومه لشركة Capitol Music France، ونال أول أسطوانة ذهبية في مسيرته.

حلم قديم يتحقق

رغم هذا النجاح، إلا أن شيئًا ما كان ناقصًا في 2019. قال "لم أكن سعيدًا حقًا. فقررت إصدار مشروعي الخاص “La Barquetrie”". وأضاف "بدأت المشروع خلال أوقات فراغي بين الجلسات. صنعت مقطعًا لي، ودفعت لشخص كي يصور فيديو بسيطًا، وخلال ثلاثة أيام كان لدي الأغنية والفيديو والموسيقى جاهزة. كررت ذلك لثلاثة  EPs".

مع تأثره بفنانين من عوالم مختلفة، تمامًا كخلفيته الثقافية، مثل الشاب خالد ومايكل جاكسون، كان بيني على مشارف اكتشاف جديد. خلال فترة الإغلاق بسبب كورونا، كان في الاستوديو مع المنتج وصديقه غاري وايت في مونتريال. خلال جلسة عفوية بالتجريب، خرج بلحن مستوحى من أغنية الفنان الشعبي عبد العزيز الستاتي "اعطيني الفيزا والباسبور".

وأوضح "أنهيت الأغنية في يوم واحد — جاءت بشكل طبيعي وسريع. وبما أنها كانت تميل إلى الشعبي، فكرت أن من المنطقي إشراك فنان مغربي". هكذا ظهرت فكرة إشراك الستاتي في الأغنية "تواصلت معه وسألته إن كان يقبل الظهور في الفيديو. فوافق فورًا. صورت مقطعي في مونتريال بسبب القيود، وصوّروا هم في المغرب"، وهكذا وُلدت أغنية Alizée (Feat. Small X).

الشعبي.. الهيب هوب الحقيقي

منذ ذلك الحين، نمت علاقة بيني آدم مع موسيقى الشعبي، وقال "بالنسبة لي، الشعبي هو الهيب هوب المغربي الحقيقي. عندنا اللمعان — جدتي كانت تضع ذهبًا على أسنانها. كنا نستخدم الأوتوتيون قبل أن يصبح موضة، كما في الراي. الشعبي خام، أصيل، بلا مجاملة. يتحدث عن الحياة الحقيقية — كما يفعل الهيب هوب في أمريكا".

بدأ مسيرة استمرت أربع سنوات لتحديث الشعبي بطريقته الخاصة، ملتقطًا روح هذا اللون الموسيقي الذي يلامس قلوب المغاربة، داخل الوطن وخارجه.

تُوّجت هذه الرحلة في سنة 2024 بأغنيتي Travolta وTit’souite (feat. Nayra)، اللتين قدمتا رسميًا نوع Draï — مزيج من الدريل الإنجليزي والراي والشعبي.

ثم جاءت ضربة بيني آدم الكبرى "موك يا مك": جاءت فكرة التعاون مع الورزازية خلال حفل زفاف حضره أحمد في المغرب. وقال "كانت بفضل صديقة مشتركة اسمها لبنى. في عرس أختها، غنّت الورزازية، وقالت لي: “خصك تسمع هاد المرأة — راه نجمّة”".

ذهب أحمد إلى الاستوديو واستمع لها، فاختار مباشرة إحدى أغانيها "موك يا مك" باستخدام الذكاء الاصطناعي، قدرنا نفصل صوتها. صنعت النسخة التجريبية على هذا الأساس. وبعدما انتهيت، قررت لقاءها وطلب إذنها".

ثم طرأت فكرة أخرى "قلت لماذا لا تأتي إلى الاستوديو ونسجل الصوت بشكل احترافي. وفعلاً، وافقت"، يقول بيني مضيفًا "كان تعاونًا حقيقيًا، وأكثر من ذلك، تجربة إنسانية"

منذ صدورها قبل شهرين، حققت الأغنية أكثر من 5 ملايين مشاهدة على يوتيوب، وتصدرت تطبيق Shazam في المغرب، وتربعت على قوائم الأغاني الأكثر انتشارًا في المغرب وفرنسا، مع أكثر من 150 مليون مشاهدة على تيك توك وإنستغرام على شكل ريلز. اللافت في الأغنية والفيديو المرافق أنها تجسد ما يعنيه أن تكون مغربيًا في المهجر.

يقول بيني "الابتعاد عن بلدك يجعلك تشعر بالفخر. بالنسبة لي، الأمر يشبه السمكة في الماء. عندما تسأل سمكة: ما رأيك في الماء؟ ستقول: ما هو الماء؟. لكن حين تُخرجها من الماء، تدرك فجأة أنها كانت في شيء حيوي. وهكذا هو المغربي، لا يدرك غنى بلاده إلا عندما يغادرها".

ويضم مقطع في الأغنية كلمات لاقت صدىً واسعًا لأنها تعبّر عن تنوع الخلفية الثقافية لبيني آدم:

"حنا بزاف! وفراسي، حنا بزاف"

"مغربي-كندي، مسلم، عربي-أمازيغي، إفريقي-أوروبي"

"الجنسية المغربية تكتسب بالولادة، ولا تضيع أبدًا"

يعترف بيني "نحن مزيج من كل هذا. باستثناء الجزء الكندي، اللي يخصني ويخص من تربوا في كندا. وأعتقد أن هذا غِنى".

ومن أقوى اللحظات في  "مك يا مك" إدراج كلمات حكيمة للراحل الملك الحسن الثاني حول الهوية المغربية. قال بيني: "أعتقد أنه بمجرد أن تشاهد مقابلة واحدة له، تدرك أنه لم يكن شخصًا عاديًا. ترك بصمته في زمنه ولا يزال يفعل. الأشياء التي قالها قبل 40 سنة ما زالت صالحة اليوم".

بيني آدم لا يزال يخبئ الكثير، مع مشاريع تعاون جديدة وقال "لا يمكنني أن أقول أكثر الآن، لكن هناك أشياء قادمة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال