القائمة

أخبار

عندما قام المغاربة بقلي وغلي الجراد بدل محاربته

عبر العصور، أبدع المغاربة، بمن فيهم أفراد الجاليات اليهودية، في ابتكار أساليب مميزة لتحضير الجراد، محولين هذه الحشرة التي لطالما اعتبرت آفة زراعية إلى طبق تقليدي ومصدر دعم اقتصادي في أوقات الشدة. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ازدهرت طرق طبخ الجراد، لتصبح جزءا من الموروث الثقافي والمطبخ المحلي. دعونا نغوص في تفاصيل هذه الوصفات المذهلة التي تعكس قدرة المجتمع المغربي على تحويل التحديات إلى فرص.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

يُعتبر المطبخ المغربي لوحة فنية تجمع بين الأطباق الشهية والألوان الزاهية والنكهات المبهجة. من الكسكس إلى الطاجين المحشو بالخضار والبسطيلة، يعكس هذا المطبخ تاريخا طويلا من الخبرة في الطبخ، كما يعبر عن فترات من التحديات والصعوبات.

ويحمل فصل من فصول المطبخ المغربي قصة من المعاناة والصمود، حيث تم ابتكار العديد من الأطباق خلال فترات الكوارث الطبيعية والأوبئة والعواصف والفيضانات والاجتياحات المدمرة للجراد والمجاعة، حيث عانى المغرب عبر العصور من موجات اجتياح الجراد التي كانت تلتهم المحاصيل وتترك الكثير من الناس جائعين. لكن الأسلاف وجدوا حلا مبتكرا: القضاء على الحشرات الغازية وتحويلها إلى وجبة تسد الجوع. فالمغاربة لم يكتفوا بتطوير وسائل لاستهلاك الجراد للبقاء، بل حولوه إلى طبق شهي.

في هذا المقال، يستعرض موقع يابلادي كيف كان المغاربة يطهون الجراد ويدمجونه في نظامهم الغذائي خلال أوقات الأزمات.

مسلوق، مقلي، مملح ومبهر

كان المغاربة يفضلون طهي الجراد عبر غليه أولا، وفقا للروايات التاريخية للدبلوماسيين الأجانب والكتاب في المغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووفقا للمؤرخ المغربي محمد البزاز، الذي نقل عن القنصل العام البريطاني دروموند هاي، فإن "الفقراء كانوا يلتهمون الجراد المسلوق مع قليل من الملح والفلفل".

كما أفاد آخرون بأن المغاربة كانوا يقومون بقلي الجراد بعد غليه للحصول على قرمشة إضافية. ووفقا لجيمس جراي جاكسون، وهو تاجر بريطاني عاش في موغادور في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، فإن أطباق الجراد كانت "تُقدم في الوجبات الرئيسية" خلال صيف 1799 وربيع 1800، الذي تميز بطاعون "كاد أن يفرغ البربر (اسم قديم للمغرب)".

كان المغاربة يطبخون الجراد بعدة طرق، حيث "كانت تُغلى عادة في الماء لمدة نصف ساعة، ثم تُرش بالملح والفلفل وتُقلى، مع إضافة قليل من الخل». كان مذاقها يشبه الجمبري، حسب جاكسون. وأوضح التاجر البريطاني أن الناس كانوا يأكلون مئات منها في وجبة واحدة "دون أي آثار جانبية". ولكن بالنسبة للفقراء الذين كانوا يضطرون للبقاء على الجراد المسلوق والمقلي فقط، كانوا يصبحون "هزيلين وخاملين".

مطبخ انتقامي

كان البعض يتخطى مرحلة الغلي، ويقلي الحشرات الطائرة بطريقة انتقامية. وبحسب مذكرات القبطان الأمريكي جيمس رايلي، الذي تحطمت سفينته قبالة سواحل المغرب في عام 1815 والذي أصبح فيما بعد عبدا، فكان الجراد يعتبر "طعاما جيدا جدا من قبل المور والعرب واليهود".

وصف رايلي كيف كان المغاربة يطهون الجراد "كانوا يصطادون كميات كبيرة منه في الموسم ويلقونها، حية وقافزة، في مقلاة من زيت الأركان المغلي". كانت الحشرات "تصفر وتفور حتى تحترق أجنحتها وتُطهى أجسادها بما يكفي". ثم تُصفى وتُقدم، كما كتب رايلي، الذي قارن قوامها ونكهتها بـ "صفار البيض المسلوق".

وفقا للسجلات التاريخية، كان بعض المغاربة يخلطون الجراد مع الحليب. في كتابه Insects as Human Food: A Chapter of the Ecology of Man، ذكر عالم الحشرات فريدريش سيمون بودنهايمر أنه في شمال إفريقيا، كان الجراد، "طازجا أو محفوظا، بعد إزالة الأرجل والأجنحة والرؤوس"، يُشوى، يُغلى، أو حتى يُعد مع الكسكس.

كان البعض يجففها حتى في الشمس على الأسطح، ويطحنها إلى أن تصبح مسحوق، و"يخلطها مع الحليب" أو "يعجنها مع الدقيق ويغليها مع الدهون أو الزبدة والملح".

 وكتب بودنهايمر نقلا عن الكاهن الدومينيكاني الفرنسي في القرن الثامن عشر جان-باتيست لابات، أن "المور كانوا ينتقمون من الجراد بأكله". "كانوا يجمعونه بعناية، ويضعونه في أكياس جلدية، ويطحنونه ويغلوه في الحليب".

في بعض مناطق المغرب، كان الجراد يُستهلك مدخنا، كما وصف القنصل الفرنسي في القرن الثامن عشر لويس دي شينييه. وذكر بأن "الجراد المدخن يُجلب بكميات هائلة إلى الأسواق في المغرب".

الطريقة المغربية اليهودية

لم يكن اليهود المغاربة استثناء فيما يخص استهلاك الجراد، حيث ذكر بودنهايمر أن اليهود المغاربة كانوا يأكلون الجراد الإناث فقط، معتقدين أن "الذكور غير طاهرين" وأن "تحت أجساد الإناث توجد حروف عبرية تجعلها حلالاً".

كانت لديهم أيضا طريقتهم الخاصة في الطهي البطيء. كانوا "يملحونها ويحفظونها لاستخدامها مع الطبق المعروف باسم دافينا، الذي يشكل عشاء السبت للسكان اليهود".

يتم إعدادا الطبق عن طريق تكديس اللحم، السمك، البيض، الطماطم ومكونات أخرى متنوعة في قدر، ثم يوضع في الفرن ليلة الجمعة. يبقى هناك حتى السبت، مما يضمن وجبة ساخنة دون انتهاك الحظر الديني على إشعال النار في ذلك اليوم.

أطول عملية طبخ في الصحراء

في الصحراء، كان لدى المغاربة الطريقة الأكثر تفصيلا لطهي الجراد. ووصف البحار الأمريكي أرشيبالد روبينز، الذي تحطمت سفينته قبالة سواحل المغرب في أوائل القرن التاسع عشر وأسر لاحقا من قبل البدو الصحراويين، العملية بالتفصيل.

"كانوا يعدونها بحفر حفرة عميقة في الأرض، وإشعال النار في القاع وملئها بالخشب. عندما يتم تسخين الأرض بأقصى قدر ممكن ويتم إزالة الفحم والجمر، كانوا يستعدون لملء التجويف بالجراد الحي، الذي تم الاحتفاظ به في كيس يحتوي على حوالي خمسة بوشل (ما يعادل 36.4 لترا)"، حسب رواية روبينز. كان الجراد يُسكب في الحفرة المسخنة، ويُغطى بسرعة بالرمل لمنع هروبه، ويُشوى تحت نار ثانية.

بعد التبريد، كان يجفف في الشمس لعدة أيام، ثم يطحن إلى مسحوق أو يستهلك كاملا بعد إزالة الرأس والأجنحة والأرجل".

تمكن المغاربة من تحويل خصمهم الطبيعي إلى مورد غذائي، مسجلين بذلك انتصارا غير متوقع على الأزمات الغذائية. فقد أسهمت وفرة الجراد في الأسواق، باعتباره مصدرا غنيا بالبروتين، في إحداث انفراج اقتصادي مؤقت. ووفقا لشهادات عدد من المسافرين والدبلوماسيين الأجانب، فإن الإقبال على استهلاك الجراد وابتكار وصفات لتحضيره ساعد في تقليص الاعتماد على المؤن التقليدية، مما ساهم في انخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال