عند وصولنا الى هنا كانت هذه الأرض تنزف دما وتحيطها اللعنة. في سنة 1948 هجم جيش اليهود الأوروبيين حاملين سيوفهم على العرب ليهدموا بيوتهم وينهبوا أراضيهم. لم يبق أحد من قرية مجدل والفلوجة، وفي يافا وعكا فرغت الشوارع من الناس. ونفس الأيادي التي قامت بهذه المجازر اتّجاه العرب سوف تستخدمنا، نحن اليهود المغاربة، كأداة لأفكارها القومية، فأصبح يهود المشرق مثل الفلسطينيين لاجئين في مجتمع الصهيونية الأوروبية.
كلّ ممتلكات العرب ذهبت للأشكيناز أمّا نحن فأصبحنا عمّالا دنيئين في معملهم القومي، كنا ملاحقين ومحبطين، عاملونا كالعبيد، قاموا بتجارب طبية على أولادنا، خطفوا أطفالنا وباعوهم، منعوا عنّا التعليم والسكن الملائم وسحقوا ثقافتنا. تقاليدنا وتاريخنا اليهودي المغربي كان حاجزاً يمنعهم من تحقيق حلمهم بدولة علمانية-أوروبية في الشرق الأوسط. لكن إلى أين نذهب؟ فقدنا كلّ شيء وسلبوا منّا جواز السفر المغربي كما أُغلقت في وجوهنا أبواب المغرب، بلادنا: أصبحنا صهاينة غصباً عنّا.
فبالرغم من قوة اليد الضاربة والظلم من قبل كلّ اليهود الشرقيين الذين أتوا إلى البلاد فإنّ الأغلبية التي تصدّت للنظام الصهيوني كانت من اليهود المغاربة: مردخاي فعنونو المرّاكشي الذي نبّه العالم لوجود قنبلة ذرية في إسرائيل سجن 17 عاما وهو ملاحق حتى اليوم. دافيد بن هاروش تزعّم تمرد وادي الصليب ضدّ التمييز العنصري والذي أدّى لنزاع صامد من أجل المساواة. احتجاج الفهود السود ومنهم برز روفن أبرجيل الذي كان وما زال يترأّس نضالات عديدة للشرقيين والعرب كرجل واحد. طالي فحيمه المغربية التي تجاوزت الحدود واخترقتها لتُقيم اتّصالات مع فلسطينيين أعداء.لإسرائيل. وما هؤلاء إلاّ مثالا لعدد كبير من اليهود المغاربة الذين يحسّون بآلام الفقر والمحنة ويواصلون مسيرتهم لمساعدة الغير لتحقيق العدل والمساواة لأنّ التضامن من عادات وتقاليد اليهود المغاربة كما كانوا يعيشونها هناك في الملاح بالمغرب.
في الوقت الذي تحاول المؤسسة والفكر الصهيوني محو تاريخنا وخلق إنسان يهودي إسرائيلي جديد خال من بصمات تاريخه وماضيه فإنّ فيلم "تينغير- جيروزاليم" يضع هذا التاريخ ضمن الأولويات. لقد شاهدت الفيلم عدّة مرّات عند عرضه في إسرائيل وكل مرّة أنفعل من جديد. جدّتي طامو وجدّي موشيه يرحمه الله ولدا في قرية " تزكي" الواقعة في جنوب المغرب، قرية مشابهة لقرية تينغير مسقط رأس كمال هشكار. المعالم المصورة هي معالم مسقط رأس جدّتي وجدّي، اللّغة هي نفس لغة عائلتي. مّرت ستّون سنة منذ مجيئهم لإسرائيل، هل يمكن محو الاشتياق؟ هل يمكن محو الحب؟ هل يمكن محو الناس والأماكن؟ هل يمكن محو التاريخ؟
كلّ من يحاول محو التاريخ اليهودي المغربي بالمغرب مشابه لمحو التاريخ الفلسطيني في إسرائيل، كلاهما يخدم هؤلاء الذين يبحثون عن النزاع والحوار البسيط والغير مركب. التاريخ اليهودي المغربي لا يمكنه التحول لتاريخ إسرائيلي-صهيوني: ستّون عاما لقيام دولة إسرائيل لا يمكنه تغيير تاريخ ألفي سنة من حياة اليهود في الدول العربية مع جيرانهم المسلمين.
رغم محاولات السلطة الإسرائيلية لإظهار تاريخنا على أنّه متخلف لكننا نعلم أنّ تاريخنا بالمغرب مليء بالثقافة الغنية : حاخامات كبار وموسيقيين أصحاب حِرف وثقافة روحية. نحن نفتخر بأهمية أصول عائلتنا والتعددية فيها. عندما زرنا المغرب فتح لنا إخواننا المغربة بيوتهم وحدّثونا عن اشتياقهم للعيش المشترك. نحن اليهود والبربر، نحن سكان المغرب الأصليون، كلنا اتينا من ظلال ديهيا الكاهنة، تاريخنا مزروع بعمق في الصحراء الواسعة. المغرب موجود في قصص أجدادنا بلغتنا الأم. المغرب ليس فقط تاريخ بعيد، ـإنّه يعيش في أوصالنا. ونحن أيضاً الجيل الثالث مرتبطين بدمائنا وبأرض أجدادنا، نحب ناسها، نشارك في ثقافتها، البعض منا يتكلم لغتها ويغنّي بها.
لهذا علينا التصدي جميعاً وبقوة للظلم الذي يحدث في منطقتنا. وجّهوا انتقاداتكم واحتجاجكم للسلطة الإسرائيلية التي تسحق الشعب الفلسطيني ولا تشاركوا في محو التاريخ لأنّ محو التاريخ هو طريق الجبناء.
قصة يهود المغرب لا تحمل التصدّي للظلم فقط بل تظهره أيضا، وأكثر من هذا فيهود المغرب هم صلة وصل ثقافي وتاريخي للعالم الاسلامي، فخذوا منها الطريق للحل اعتبروها كجسر، كقنطرة مفتوحة.
عندما طرق كمال الباب لم يتوقع صوت بكاء ياقوت لوحدها فهو صوت عدد كبير من اليهود المغاربة بإسرائيل من الجيل الأول حتى الجيل الثالث. لا شك لديّ بأنّ المئات من الناس بإسرائيل والذين شاهدوا فيلم كمال هشكار يقفون بجانبه ويتضامنون معه. كما أنّهم يفخرون من تاريخ التعددية في المغرب ومن اجل تقوية ـأصوات المدافعين عن التاريخ الغير مكتوب لا في كتب التاريخ الاسرائيلية ولا في كتب تاريخ المغرب. هذا تاريخ ولادة الشعب المغربي: اسلام ويهود، بربر وعرب.
يا ربّ بارك لأهل المغرب.