تمثل مزيوي رشيدة نموذجا للمرأة المغربية التي استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة متميزة في العمل الجمعوي والدفاع عن حقوق الأسرة والطفل، خاصة في قضايا الهجرة والاندماج في المجتمعات الأوروبية. فمن خلال تجربتها الأكاديمية والمهنية الغنية، نجحت في الجمع بين العمل الاجتماعي والدراسات القانونية والأنثروبولوجية، مما أهلها للعب دور محوري في الحفاظ على التماسك الأسري.
ولدت المهاجرة المغربية مزيوي رشيدة يوم 29 دجنبر 1976، بمدينة الفقيه بن صالح، ووحصلت على الإجازة في القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمدينة مكناس.
وكانت تخطط للسفر إلى فرنسا لمتابعة دراستها، لكن شاءت الأقدار أن تلتحق سنة 2002 بعائلتها في بارما بإيطاليا، وحاولت الالتحاق بالجامعة في السنوات الأولى لكن واجهتها بعض العراقيل الإدارية خصوصا مطالبتها بإعادة دراسة الاجازة لاستكمال الدراسة.
وقالت في حدثها لموقع يابلادي "هذا الأمر جعلني ابتعد عن الدراسة والمسار الجامعي بشكل مؤقت، فانغمست في ميدان الشغل، لكن في نفس الوقت انخرطت في ممارسة العمل الجمعوي"، وأوضحت أنها كانت تنشط إلى جانب مجموعة من الطلبة والأساتذة الإيطاليين وبعض الفلسطينيين في التعريف بالقضية الفلسطينية من داخل " مجموعة الحركة الفلسطينية".
"عملنا على تقديم الدعم لمدرسة الأمل في مخيم عيدا بمدينة جنين، كان هذا الأمر بالنسية لي امتدادا لسنوات ممارسة العمل الكشفي في المغرب حيث كنت إطارا تربويا في الكشفية المحمدية المغربية. وشاركت في العديد من تداريب وزارة الشباب والرياضة آنذاك الموجهة للاطر التربوية".
بعد ذلك التحقت مزيوي رشيدة بالنقابة العمالية CISL واشتغلت بها في مساعدة العمال الأجانب، من خلال توفير الدعم القانوني والاجتماعي لهم لمساعدتهم في حماية حقوقهم المهنية والاجتماعية. وواصلت "لكن حلم استكمال الدراسة ظل يراودني إلى أن حصلت على ماستر في "الوساطة العائلية" بمدينة بارما، ثم عملت على الحصول على تزكية لفتح فرع تابع لمنظمة "احنا واحد الدولية للدفاع عن الوحدة الترابية والتنمية" المغربية والتي لها العديد من الفروع داخل المغرب وفي باقي دول العالم، في إيطاليا، وهو ما حققته.
وقالت "كانت لنا عدة أنشطة تتنوع بين الاهتمام والتحسيس بالقضية الوطنية، وأنشطة أخرى تتمحور حول التعريف بالثقافة المغربية، ومساعدة المهاجرين المغاربة والعرب بصفة عامة على حل المشاكل التي تعترضهم والعمل على تحفيز الاندماج والادماج داخل المجتمع الايطالي ومكوناته".
وأضافت "هنا تولدت الرغبة من جديد في العودة إلى استكمال الدراسة والتخصص في قضايا الهجرة والطفل. من بين المشاكل التي كانت تشغلني شخصيا وكذلك أغلب الامهات المهاجرات هو كيفية تربية الأبناء وتحصينهم من كل ما يمكنه تجريدهم من هويتهم الأصلية، كما أن استفحال ظاهرة نزع الأطفال من أسرهم الأصلية تحت ذريعة تعرضهم للعنف النفسي أو الجسدي أو الاقتصادي من ذويهم، كان حافزا قويا بالنسبة لي أولا كأم وثانيا كامراة مغربية".
وهكذا قررت الالتحاق بجامعة بادوفا لمتابعة الدراسة في "ماستر الاسلام الأوروبي"، ثم تسجلت بـ"ماستر الدين والثقافة والهجرة "بجامعة محمد الخامس كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الرباط، "والذي كان ماسترا متميزت ومتخصصا موجها لأبناء الجالية، بشراكة بين الجامعة ومجلس الجالية. فكانت الفرصة مواتية للبحث في موضوع الهجرة والطفل بشكل أعمق من خلال تراكم تجربة 20 سنة من الهجرة".
وأنجزت رسالة الماستر حول " انتزاع الأطفال القاصرين من الأسر المغربية في ايطاليا- جهة ايميليا رومانيا ـ نموذجا مقاربة سوسيوانتروبولوجية".
وقالت "هذا البحث أفادني كثيرا في الوقوف على حيثيات هذه الظاهرة ومكامن الخلل، وأصبح حافزا قويا لاستكمال المشوار الأكاديمي والالتحاق بسلك الدكتوراه مستقبلا إن شاء الله والاستمرار في البحث العلمي لظاهرة الهجرة والطفل على مستوى عالمي وليس فقط ايطالي".
وتؤمن رشيدة بأن الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية هو أحد الوسائل الأساسية لتحصين الأبناء من الانحراف أو الضياع الثقافي. ولذلك، عملت على توعية وتعريف الجيل الثاني من المهاجرين بثقافتهم وهويتهم الأصلية، مما يعزز من روابط الانتماء للأسرة والمجتمع.
كما تعمل هذه المهاجرة المغربية على مساعدة الأمهات المهاجرات على تطوير أساليب تربوية تحمي الأبناء من الانحراف الثقافي أو الانفصال عن هويتهم الأصلية. وتساهم في في حل مشاكل الأسر التي تعاني من خطر انتزاع أطفالها بسبب دعاوى العنف النفسي أو الجسدي. جهودها هذه بمثابة طوق نجاة للعديد من الأسر في الحفاظ على استقرارها وتماسكها.
مزيوي رشيدة اليوم أيضا هي عضو مؤسس "للأكاديمية الدولية لمغربيات الخارج" والتي تجمع طاقات نسائية ذوات كفاءة عالية.