القائمة

أخبار

دياسبو#374: محمد بوزيا.. مهاجر مغربي يقوم بتوثيق هجرة المغاربة إلى هولندا عبر الصحافة

محمد بوزيا، الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية، انتقل من حياة متواضعة في منطقة الريف بالمغرب إلى مسيرة مهنية في الإعلام والتعليم ورواية القصص في هولندا. من خلال أعماله، بما في ذلك الفيلم الوثائقي الشهير "Anaak"، يتناول بوزيا قضايا الهجرة المغربية والتاريخ الثقافي، مما يساعد على توثيق قصص الأجيال السابقة.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

مثل العديد من الأطفال في منطقة الريف أواخر السبعينيات والثمانينيات، كان محمد بوزيا ينتظر بفارغ الصبر الانضمام إلى والده في هولندا. كان والده رجلاً بسيطًا لكنه صاحب رؤية، فأصر على أن يبقى محمد في قريته لفترة ليتعلم الدارجة، والعربية، والفرنسية قبل السفر إلى أوروبا.

يقول محمد ليابلادي "لم أفهم هذا المنطق في البداية"، لكنه أدرك لاحقًا حكمة والده، خاصة عندما انضم إليه في مدينة هارلم الهولندية وهو في سن 16 عامًا.

وصل محمد إلى هولندا بحقيبة سفر، لكنه كان يحمل في داخله ارتباطًا قويًا بوطنه، ومستعدًا للاستفادة من الفرص التي تقدمها أوروبا. وكما هو الحال في كل قصة نجاح، كانت البدايات صعبة. فور وصوله، كرس عامًا كاملًا لتعلم اللغة الهولندية، ثم كان عليه اتخاذ القرار بشأن مستقبله الأكاديمي.

وقال "أتذكر اجتماعًا مع اثنين من أساتذتي لمناقشة دراستي المستقبلية، أحدهما اقترح أن أتلقى تدريبًا مهنيًا للحصول على دبلوم في إحدى الحِرف، بينما أصر الآخر على أنني أصلح لمتابعة دراستي في التسويق والاتصال"، وأضاف "أتذكر نقاشهما الطويل؛ ذلك الأستاذ آمن بقدراتي ورأى فيَّ إمكانيات لم يرها الآخر".

في النهاية، اختار محمد دراسة الإدارة الدولية. وخلال دراسته، أتيحت له فرصة قضاء سنة دراسية إلزامية في الخارج. وأوضح "اخترت فرنسا لأنني كنت أتحدث الفرنسية".

لكن هذا القرار كان مدفوعًا أيضًا بوضع أسرته المالي المتواضع، إذ كانت فرنسا قريبة وأقل تكلفة. هناك، درس محمد في المدرسة العليا لأنجيه، حيث تخصص في إدارة الإعلام والتسويق، وحصل على دبلوم في الإعلام والإدارة.

برنامج إذاعي من المغاربة وإلى المغاربة في أوروبا

بعد عودته إلى هولندا، بدأ محمد العمل التطوعي في محطة إذاعية محلية، مما فتح له أبوابًا في وقت مبكر من مسيرته المهنية، وقال "في أحد الأيام، كنت أزور مدرستي لإنجاز بعض الأوراق، فاقترب مني أحد المديرين وسألني إن كنت أرغب في إجراء تجربة أداء لمشروع جديد في الإذاعة الوطنية".

كانت هذه الفرصة حدثًا مهمًا بالنسبة لمحمد، الذي كان بالكاد في العشرين من عمره وتخرّج حديثا، وأوضح "كنت سعيدًا جدًا وشاركت في الاختبار. بعد أسبوع، لم يصلني أي رد، فقررت السفر إلى الريف. وبينما كنت هناك، تلقيت مكالمة تخبرني بأنني قُبلت".

كان ذلك بمثابة حلم تحقق بالنسبة للشاب الذي لم يكن يتصور يومًا، وهو يكبر في الريف، أن شخصًا مثله قد يعمل في محطة إذاعية، وقال "كنت أحب إذاعة ميدي 1 عندما كنت طفلًا، وحلمت بأن أصبح صحفيًا إذاعيًا".

المشروع – وهو برنامج إذاعي بالدارجة والريفية – لاقى نجاحًا كبيرًا بين أفراد الجالية المغربية في هولندا والبلدان الأوروبية المجاورة، مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا. كما كان تجربة تعليمية قيمة لمحمد، "في هذا البرنامج تعلمت الصحافة، وطورت لغتي الدارجة، وصقلت مهاراتي في العربية الفصحى. كنت أصغر صحفي هناك، وأتعلم من الأفضل".

نهاية البرنامج وبداية التحولات

رغم شعبيته الكبيرة، أُوقف البرنامج بعد أربع سنوات بقرار حكومي، وقال متأسفا "أرادت السلطات أن تكون جميع البرامج الإذاعية الخاصة بالمغاربة في هولندا باللغة الهولندية لتعزيز الاندماج".

بعد ذلك، تم نقله إلى برنامج آخر يركز على الموسيقى والترفيه، وهو مجال لم يعمل فيه من قبل، وقال "لم أستمتع به، ليس لأنني لا أحب الموسيقى، بل لأنه لم يكن يناسبني. بعد عام، قررت تغيير مساري المهني".

قرر حينها التوجه إلى التسويق والاستفادة من شهادته، فبدأ العمل في شركة متخصصة في بيع المعدات الثقيلة، حيث كان يدير الأسواق الناطقة بالفرنسية والعربية. وقد دفعه هذا العمل إلى السفر المتكرر، "كنت دائمًا في المطارات، متنقلًا من بلد إلى آخر"، ما جعله يشعر بالارهاق.

العودة إلى الشغف الأول: الإذاعة

لم يدم انفصاله عن الإعلام طويلًا، إذ تواصل معه مدير في الإذاعة الوطنية الهولندية ليعرض عليه إدارة محطة إذاعية جديدة، لكن هذه المرة كانت باللغة الهولندية بالكامل.

عمل محمد بجد في هذا المشروع، وشغل منصب رئيس التحرير لمدة تسع سنوات قبل أن يقرر خوض مغامرة جديدة. فبعد مسيرة طويلة في الصحافة – عمل خلالها في NPS، وإذاعة كولورفول، وراديو هارلم 105، وإذاعة NIO – قرر الانتقال إلى مجال التدريس وصناعة الأفلام الوثائقية.

قاده شغفه برواية القصص إلى إنتاج فيلمه الوثائقي الأول "أناك" (2017)، الذي أنجزه بالشراكة مع صديقه قاسم الشهبون. يتناول الفيلم سؤالًا محوريًا في تاريخ الهجرة المغربية: لماذا كانت الجزائر جزءًا من هذه القصة؟

وأوضح "هذا الوثائقي أشبه برحلة – يوميات عن قصص الهجرة المغربية. يتعمق في كيف انتهى المطاف بالمغاربة في الجزائر، ثم في أوروبا لاحقًا".

خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، واجه الفرنسيون صعوبة في استغلال العمالة المحلية الجزائرية بالكامل، فلجؤوا إلى جلب العمال المغاربة، خصوصًا من منطقتي الريف وسوس. لكن الاستقرار في الجزائر لم يكن سهلًا، فقد تطلب تجاوز عقبات بيروقراطية، مثل الحصول على تصاريح موقعة من العائلة أو السلطات المحلية. لم يقتصر الأمر على تشغيل هؤلاء العمال في الجزائر، بل تم نقل بعضهم أيضًا إلى فرنسا. بعضهم عاد إلى المغرب، فيما بقي آخرون هناك، مما شكل قوة عاملة ربطت بين المغرب، والجزائر، وأوروبا.

بالنسبة للبعض، كان الحصول على جواز سفر في المغرب صعبًا، لذا كانت الجزائر بمثابة محطة عبور، حيث تمكنوا من استخراج وثائق قبل مواصلة الهجرة.

يقول محمد بفخر "كانت هذه القصة موضوع فيلمي الوثائقي الأول، الذي أُنجز بدون أي دعم من قناة أو مؤسسة"، شكل الفيلم بداية شغفه بصناعة الأفلام، حيث أتاح منصة لعرض شهادات مباشرة عن الهجرة، ولقي اهتمامًا واسعًا في العروض داخل المغرب وخارجه، حيث أثار نقاشات في المسارح والمجتمعات.

بعد هذا المشروع، عمل محمد على وثائقيات أخرى، من بينها فيلم عن المجتمعات اليهودية في منطقة الريف، حيث سلط الضوء على التنوع الثقافي والتاريخي في المغرب.

اليوم، يعمل محمد كصحفي مستقل، لكنه لا يزال مصممًا على مواصلة رواية القصص التي تعكس تجارب المهاجرين، تكريمًا لتضحيات الآباء والأجداد من أجل مستقبل الأجيال القادمة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال