القائمة

interview_1

ما وراء الصدمة: كيف أنشأ المغاربة أرشيفات أخرى لتوثيق "سنوات الرصاص"

يتحدث البروفيسور إبراهيم القابلي، أستاذ الدراسات العربية في كلية ويليامز بولاية ماساتشوستس، عن عمله الأكاديمي الذي ركز على العنف الذي مارسته الدولة وإنشاء الأرشيف في المغرب. يوضح القابلي، وهو باحث متعدد التخصصات يعمل في مجالات متعددة مثل الدراسات الأمازيغية، والدراسات العربية، والدراسات الفرانكوفونية، ودراسات الذاكرة، وعلم التاريخ، والإنسانيات البيئية، أن تدريبه في الأدب المقارن منحه القدرة على التفكير بشكل مبتكر وسمح له بالاستفادة من اهتماماته اللغوية والأكاديمية بطرق ثرية.

في حديثه مع "يابلادي" حول عمله «الأرشيفات الأخرى في المغرب: التاريخ والمواطنة بعد العنف الذي مارسته الدولة»، يناقش القابلي كيف يركز هذا العمل على التعامل مع الفراغ الأرشيفي في المجتمعات غير الأوروبية. تختلف الأرشيفات الأخرى عن الأرشيفات التقليدية، حيث تقدم سرديات تاريخية بديلة، وتعمل كمصادر للتاريخ الذي تم تهميشه أو تجاهله.

نشر
DR
مدة القراءة: 7'

هل يمكن أن تخبرنا المزيد عن خلفيتك الأكاديمية والمهنية؟

أنا باحث متعدد التخصصات، أعمل في تقاطع عدة مجالات معرفية، بما في ذلك الدراسات الأمازيغية، والدراسات العربية، والدراسات الفرنكوفونية، ودراسات الذاكرة، وعلم التأريخ، والعلوم الإنسانية البيئية. تدربت في الأدب المقارن، وهو تخصص يشجع على التجريب والتفكير الابتكاري، وقد ساعدني هذا في الاستفادة من اهتماماتي اللغوية والمعرفية بطرق غنية للغاية.

بوصفي متخصصاً في الأدب المقارن، أعمل عادةً بعدة لغات وأتعامل مع أجسام معرفية لا تغطيها الدراسات الإقليمية التي تركز عادة على لغة واحدة. الأعمال المبكرة التي شكلت اهتماماتي متعددة التخصصات ركزت على العنف الذي تمارسه الدولة وإنشاء الأرشيفات في المغرب. من خلال قراءتي ضد التيار السائد في نظرية الأرشيفات، التي تفترض أن الأرشيفات موجودة ولكنها غير مكتملة بطبيعتها، كان كتابي الأول «الأرشيفات الأخرى المغربية: التاريخ والمواطنة بعد العنف الذي تمارسه الدولة» محاولة للفت الانتباه إلى الفراغ الأرشيفي في سياقات تتجاوز العالم الذي يركز على أوروبا وأمريكا.

إن التعامل مع صمت الأرشيفات شيء، ولكن التنقل في غيابها هو شيء آخر، وهذا هو الحال في العديد من المجتمعات غير الأوروبية أو الأمريكية. المنهجية متعددة التخصصات واللغات التي استخدمتها في بحثي لهذا الكتاب الأول فتحت عيني على فوائد كسر الحدود التخصصية لتحقيق فهم أكثر دقة للقضايا التي أدرسها. هذا الوعي ساعدني على التفكير بشكل مختلف حول مكانة الدارجة والأمازيغية في بحثي، وشجعني على جهودي الحالية لإعادة تأهيل الأمازيغية كلغة فكر وأدب، وذلك بتحدي الافتراضات التاريخية والمختزلة التي تفيد بأن الثقافة والفكر في شمال تمزغا (شمال غرب إفريقيا) يتم إنتاجهما فقط بالعربية والفرنسية.

في كتابك «الأرشيفات الأخرى المغربية: التاريخ والمواطنة بعد العنف الذي تمارسه الدولة»، تناقش مفهوم «الأرشيفات الأخرى» التي تقدم سرديات تاريخية بديلة. هل يمكنك توضيح الخصائص التي تحدد هذا التاريخ البديل، وكيف تساهم هذه الأرشيفات في ظهوره والاعتراف به؟

هذا الكتاب نشأ من بحثي حول «سنوات الرصاص»، وهي الفترة بين استقلال المغرب عام 1956 ووفاة الملك الحسن الثاني عام 1999. وكما أظهرت هيئة الإنصاف والمصالحة (ERC) التي أنشأها الملك محمد السادس في عام 2004، كانت هذه الفترة تتميز باستخدام مفرط للعنف من قبل الدولة ضد جميع الأصوات المعارضة بغض النظر عن أيديولوجياتها السياسية.

لعب التاريخ دورًا مركزيًا في النقاشات التي جرت خلال «عقد الذاكرة» في المغرب بين عامي 1999 و2010، ولكن غياب الأرشيفات الرسمية شكل تحدياً كبيراً للمؤرخين. هذا دفعني إلى استكشاف مفهوم «الأرشيفات الأخرى»، والتي أعرفها على أنها «ليست تاريخًا أكاديميًا ولا ذاكرة شخصية مباشرة، وليست أرشيفات تقليدية». إنها مواقع تقيم فيها قصص أولئك الذين تم تهميشهم في التاريخ والأرشيفات التقليدية. تعمل الأرشيفات الأخرى كعوالم يعود فيها المغيبون والمختفون وغير المرغوب فيهم لتحدي التصورات السائدة عن الهوية والمواطنة، بينما تتيح إمكانية وجود تاريخ مختلف عن التاريخ الذي تم نشره دائمًا.

ظهرت هذه الأرشيفات الأخرى من غياب السجلات الرسمية خلال «سنوات الرصاص» في المغرب. إنها تسمح بإعادة تخيل تاريخ ما بعد الاستقلال، مما يجعل إعادة كتابة التاريخ مرادفة لممارسة المواطنة في المغرب. في الواقع، التعددية في النقاشات والنسخ التاريخية التي تمكنها الأرشيفات الأخرى هي أمر ضروري لأي مجتمع لتجنب التفكير في إطار حقيقة واحدة أو تاريخ واحد أو واقع واحد.

كيف يتحدى مفهوم «الأرشيفات الأخرى» التأريخ التقليدي، خاصة في سياق المجتمعات ما بعد الاستعمار؟

الأرشيفات الأخرى هي مصادر للبحث التأريخي. يتم إنتاجها من قبل مواطنين لهم مصلحة في التاريخ المغربي. لذا، فإن منتجي الأرشيفات الأخرى هم من يتحدون التأريخ التقليدي. المصادر الأرشيفية البديلة التي ينشئونها تملأ الفراغ الذي يتركه غياب أو عدم الوصول إلى السجلات الرسمية في كتابة التاريخ. إنها توفر مصادر بديلة لإعادة بناء التاريخ، خاصة للسرديات المهمشة. يحول هذا المفهوم التركيز من عدم اكتمال الأرشيفات الموجودة إلى إنشاء مصادر تاريخية جديدة، مما يسمح بسرديات تاريخية أكثر شمولاً وتنوعاً. خارج المغرب، تكون الأرشيفات الأخرى ذات أهمية خاصة في المجتمعات حيث قد تكون الأرشيفات الرسمية غير مكتملة أو غير متاحة أو منحازة نحو تاريخ مجموعات أو مجتمعات معينة.

يستكشف كتابك كيف يخلد الإنتاج الثقافي أصوات المهمشين. هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن أنواع الإنتاج الثقافي التي تخدم هذا الغرض، والأنماط التي تظهر في كيفية تخليد هذه الأصوات الصامتة؟

اعتمد «الأرشيفات الأخرى المغربية» على منهجية متعددة التخصصات واللغات للتعامل مع الإنتاج الثقافي للأمازيغ، اليهود، والسجناء السياسيين. إذا نظرت إلى هذه المجموعات الثلاث خلال «سنوات الرصاص»، سترى أن السمة المشتركة بينها كانت الصمت. على الرغم من أن المؤرخين المغاربة أنتجوا دراسات قيمة خلال هذه الفترة، فإن معظم تركيزهم كان على المغرب ما قبل الاستعمار، مما ترك هذه الموضوعات للمؤرخين والأنثروبولوجيين الأجانب.

بالنسبة للأمازيغ، أنتج المؤرخون-النشطاء الهواة أرشيفات أمازيغية «أخرى» لمواجهة تهميشهم في الخطاب الرسمي. فيما يتعلق باليهود المغاربة، درست ما أسميه «الكتابة الذاكراتية» حيث يوثق الروائيون المسلمون حياة اليهود في المغرب. تعكس هذه الكتابة مسعى الشباب المسلم المغربي لتوثيق وإعادة تفعيل تاريخ ظل في الغالب في ذاكرة الأجيال الأكبر سناً.

فيما يتعلق بالسجناء السياسيين، وخاصة قصة تازمامارت ودرب مولاي الشريف، يمتد الإنتاج الثقافي من مذكرات الناجين إلى المسرح والروايات والأفلام. أصبحت هذه المعتقلات، وخاصة تازمامارت، مواقع أرشيفات أخرى عابرة للحدود تربط المغرب بأوروبا والولايات المتحدة، وحتى مصر.

فتحت هذه الأشكال المختلفة من الإنتاج الثقافي ثغرات في السرديات التاريخية المقبولة وعملت كمساحات لحفظ الذكريات التي قد تضيع أو يتم قمعها. وبالتالي، فإن الأرشيفات الأخرى تسلط الضوء على تجارب المجموعات المهمشة وتساهم في فهم أكثر شمولاً للتاريخ المغربي.

في عملك، تستكشف العلاقة بين الصدمة والعنف الذي تمارسه الدولة وهذه الأرشيفات البديلة. هل يمكنك توضيح طبيعة هذه العلاقة؟

كشفت أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة أن آلاف المغاربة تعرضوا للعنف الذي مارسته الدولة، مما أسفر عن صدمات فردية وجماعية. تمتد هذه الصدمة إلى ما هو أبعد من الضحايا المباشرين لتشمل أسرهم ومجتمعاتهم القريبة. حقيقة أن مجتمعاً بأكمله خضع للمراقبة والضغط من السلطات تعد في حد ذاتها تجربة صادمة. عندما تكون على دراية بأنك قد تسجن إذا قلت أي شيء قد يساء تفسيره، فهذا صادم. جانب آخر مثير للاهتمام في هذه الصدمة هو أنها منقوشة في الجغرافيا. لهذا السبب اقترحت هيئة الإنصاف والمصالحة «جبر الضرر الجماعي» للتخفيف من تأثير هذه التجربة الصادمة على المجتمعات.

غالباً ما يكون إنشاء الأرشيفات الأخرى وسيلة لمعالجة هذه الصدمة وتوثيقها. بالإضافة إلى أرشفة الآثار النفسية للعنف الذي مارسته الدولة، تعمل الأرشيفات الأخرى كمنصة للتعبير عن ما قد يكون غير معروف أو منسي أو غير مسجل. تعمل هذه الأرشيفات كوسيلة لتوثيق التجارب الصادمة وللتعامل مع تلك الصدمة على مستوى المجتمع.

كيف تطور دراسة الصدمة فيما يتعلق بالعنف الذي تمارسه الدولة في المغرب، وما التحديات التي لا تزال قائمة في هذا المجال؟

يتطلب هذا السؤال إجابة أطول، ولكن يمكننا القول إنه على الرغم من أن أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة ألقت الضوء على مدى العنف الذي مارسته الدولة، فإن دراسات الصدمة لا تزال هامشية في المغرب. وبالتالي، هناك حاجة ملحة لإجراء المزيد من البحوث لفهم الآثار طويلة الأمد لـ«سنوات الرصاص» على المجتمع المغربي. التحدي يكمن في تطوير فهم دقيق للصدمة الجماعية وآثارها على الأجيال المتعاقبة. ينبغي أن  يجري أحد الباحثين مقابلات مع الأجيال الأكبر سناً والشباب لاستكشاف كيفية تأثير تجارب الآباء على الأبناء وكيف يتعامل الشباب مع التاريخ الذي ورثوه. هذه منطقة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام الأكاديمي لفهم التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه الفترة على المجتمع المغربي.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال