أعلنت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء، عن حالة الطوارئ الصحية بسبب زيادة حالات جدري القردة، وارتفاغ عدد الإصابات في عدة دول أفريقية. وأشار البروفيسور ديمي أوجينا، رئيس لجنة الطوارئ، إلى أن "الزيادة الحالية" و"انتشار سلالة جديدة تنتقل عبر العلاقات الجنسية" تشكل "تهديداً عالمياً، وليس فقط لإفريقيا". وأضاف أن "جدري القردة، الذي ظهر في إفريقيا، تم إهماله هناك قبل أن يتسبب في وباء عالمي في عام 2022" مشددا على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة الآن لتجنب تكرار هذا السيناريو.
وبدوره قال الدكتور الطيب حمضي في حديث له مع يابلادي، إنه إلى جانب التعاون الدولي، يتطلب الوضع الحالي أيضاً اليقظة الفردية في مجال الوقاية. وأضاف أن "الوضع يزداد خطورة لأن هذه الزيادة في الإصابات تُلاحظ على مدى أشهر، حتى خارج البلدان الموبوءة في وسط وغرب أفريقيا، المعروفة باحتضانها لهذا الفيروس".
وحذر الدكتور، من أن الفيروس يتغير بسرعة أكبر من سلالات أخرى. في عام 2022، كانت السلالة المنتشرة ترتبط بشكل أساسي بالعلاقات الجنسية المثلية، ولكن الآن، الفيروس ينتقل عبر العلاقات الجنسية المختلفة وكذلك في أماكن التجمعات مثل المدارس وبين الأطفال والعائلات...".
تعزيز التدابير الوقائية
وأشار الدكتور حمدي إلى أن العدوى "لم تعد تقتصر على العلاقات الجنسية فقط، بل أيضاً على الاتصال الجلدي مع شخص مصاب، أو لمس الأسطح والأشياء الملوثة..." وأضاف "نحن نواجه طرق انتشار جديدة لم نتعرف عليها بشكل كامل بعد، لكنها تزيد من سرعة العدوى وانتشارها."
وبحسب الدكتور، فهناك مصدر آخر للقلق، وهو أن السلالة المتسببة في حالة الطوارئ الصحية "أكثر خطورة من السلالات الأخرى بنسبة 3%". بالنسبة للمرضى الذين يعانون من حالات حادة، "تبلغ نسبة الوفيات 10% بين الأطفال و5% بين البالغين". حتى الآن، كان الفيروس يستهدف أساساً السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية النائية أو الغابات. لكن الآن، "السلالة الجديدة تنتشر في المدن الكبرى، وتنتقل عبر المطارات ووسائل النقل الجماعي".
وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة، فإن "هذه العوامل التي تسهل الانتقال قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في الإصابات على مستوى العالم". لذلك، يجب التركيز على المناطق التي ظهر فيها الفيروس لأول مرة. وبالنظر إلى سرعة انتشاره، تبقى قواعد النظافة الأساسية ضرورية، مثل غسل اليدين بانتظام واستخدام المعقمات. كما توصي الهيئات الدولية بتجنب الاتصال بالأشخاص المصابين أو الأسطح الملوثة، وأيضاً تجنب التعامل مع لحوم الحيوانات المريضة.
حتى الآن، كانت سلالات الفيروس محصورة في أربع دول في وسط وغرب إفريقيا، ولكن "اليوم انتشرت إلى 15 دولة، بما في ذلك دول لم تشهد تفشياً سابقاً"، وفقاً للدكتور حمدي. مع معدل "وفيات قدره 3% وانتشار سريع، من الضروري إدراك خطورة هذا الفيروس وما يمكن أن يترتب عليه من وفيات في الحالات الشديدة. إنها بالفعل مشكلة صحية خطيرة، وإذا استمر الانتشار والتحورات، سنكون أمام أزمة صحية عالمية"، يحذر الدكتور.
على الرغم من أن جدري القردة ليس مرضاً جديداً، فقد اكتُشف الفيروس في عام 1958 في مختبر بالدنمارك على قرود مستوردة من إفريقيا. وتم تشخيص أول حالة إصابة بشرية في الكونغو عام 1970. وفي عام 2022، تم تحديد سلالة جديدة تنتقل بشكل رئيسي عبر الجنس. وفي عام 2024، ظهرت سلالة جديدة بقدرة أعلى على الانتشار.
التعاون الدولي ضرورة للتصدي للوباء
في هذا السياق، وفي ظل إعلان حالة الطوارئ الصحيةـ فإن الدول التي لم تسجل حالات إصابة قد تكون عرضة لاستيراد الفيروس. وأَضاف الدكتور "يجب على الدول تخصيص الأموال والموارد البشرية واللقاحات والأدوية والاختبارات اللازمة لمساعدة الدول الإفريقية المتضررة على الحد من انتشار الفيروس".
وأضاف "الدول الإفريقية الفقيرة التي تفتقر إلى الموارد لتنفيذ تدابير مثل العزل الصحي والاختبارات والعلاج يجب أن تحصل على الدعم. وإلا، فإن العدوى قد تتفاقم في جميع أنحاء العالم."
وتماماً كما هو الحال مع بقية الدول المتأثرة، قد يواجه المغرب خطر استيراد حالات إصابة قد تسهم في نشر الفيروس. ويؤكد الدكتور حمدي على أهمية "التوعية بين السكان والعاملين في المجال الصحي، ومتابعة البروتوكولات الصحية، والتعاون الدولي لوقف انتشار المرض" مشيرا إلى أن "الخطر موجود في كل مكان، والإجراءات الوقائية يجب أن تُتخذ في جميع الدول".
وعلى الرغم من القضاء على الجدري البشري في عام 1980، "تم تخزين اللقاحات في الدول الغنية لتلقيح العاملين في المجال الصحي والباحثين في المختبرات والأشخاص المعرضين للخطر". وفي عام 2022، تم استخدام اللقاحات بنجاح بنسبة 85% ضد جدري القردة. "لكن إفريقيا لم تستفد من هذه اللقاحات، مما ساهم في استمرار انتشار العدوى في القارة" حسب الدكتور حمدي
في الوقت الحالي، يتم استخدام الأدوية المضادة للفيروسات وهناك تجارب جارية على أدوية أخرى قد تكون متاحة قريباً. وشدد الدكتور على أهمية التعاون الدولي والتركيز على المناطق الأكثر تأثراً في إفريقيا.