وكأن لا قانون في البلد.. امرأة تقدم كل الأدلة المادية والجينية و الجسدية والروحية، وطفلا من صلب مغتصبها حيا يرزق .. و تقامر بسمعتها وصورتها الرمزية في مجتمع تقليدي .. وتخوض بشراسة أنثى معركة خاسرة في مواجهة رجل مسلح بحصانة برلمانية ومظلة سياسية وبالكثير من الأظرفة المالية.. ولما ينصفها الحكم الابتدائي ، ونصدق أننا في وطن العدالة .. يخلط قاضي الاستئناف الأوراق من جديد ويقر ببراءة المغتصب ...
وكأنها حكاية غرام وانتقام في فيلم عربي رديء ، مشهده الأول لقاء رسمي عابر حول شكاية ادارية بين مرشدة دينية ورجل سياسة منتخب كرئيس بلدية و نائب برلماني ، تتوالى المشاهد بمكالمات ورسائل اعجاب ولقاءات رومانسية في مقاهي مطلة على الأطلسي.. وفي مشهد الذروة الدرامية ، وعلى ضوء خافت، تستيقظ الفتاة من غيبوبتها على افتضاض بكارتها في ضيعته الفلاحية .. وبقية المشاهد محفوظة ، ارتباك العاشق الجاني ،ووعد بإصلاح العطب الخارج عن ارادته بالخطوبة والزواج .. تم يبدأ التماطل والتهرب والجنين يكبر في أحشاءها ..فتتعقد الأحداث بإنكار النائب للعلاقة ولجوء المرأة للقضاء .لكن الملف يتم اقباره بمبررات واهية، فتضطر البطلة الى فضح المستور بالاعتصام والإضراب عن الطعام وانتظار الموكب الملكي الى أن تم تحريك القضية قانونيا واثبات المعاشرة جينيا ...وبقية المشاهد تعرفونها.. المحكمة الابتدائية تدين المتهم بسنة سجنا وغرامة مالية ، ولما استأنف الحكم، نال البراءة.. و"يحيا العدل" كما يقولون في نهاية الأفلام المصرية ، ولتنتحر نساء المغرب غبنا وحسرة على الظلم وهدر حقوقهن باسم القانون .
كان بإمكانها أن تبتلع الخيبة وتلم شظايا كرامتها المتكسرة وتمضي الى حال سبيلها كأية امرأة مهزومة ..
وكان من الممكن أن تتكتم على الفضيحة و تطوي الحكاية ككل حكايات العشق المسروق التي تبدأ بنظرة..وتنتهي بقطرات دم وإنكار وبعملية اجهاض سري أو بطفل بريء في ميتم أو حاوية قمامة...
وكان من الممكن أن تقبل أن تكون مجرد رقم في اللائحة الطويلة للعذراوات العابرات في حياة السياسي الكبير ..
وكان بإمكانها كأية امرأة انتهازية ،أن تكتفي بتهديده بالفضيحة وتبتزه بمبلغ مالي كبير وبقطعة أرضية في موقع استراتيجي في نفوذه الترابي، ولا يحتاج الأمر الا لتوقيعين صغيرين من الرئيس المغتصب والمنتخب للمجلس البلدي ..
وكان من الممكن أن ترتق بكارتها وتصبح عذراء من جديد وكأن شيئا لم يكن..
كان من الممكن أن تكون أكثر واقعية في مجتمع ذكوري، و تظل أسيرة قناع القداسة والعفة ومتخفية خلف حجاب المرشدة الدينية وتتستر على الفضيحة..
كان من الممكن أن لا نعرف وأن لا نغضب وأن لا نكتب .. وكان سيواصل في أمان غزواته العاطفية مع عذراء جديدة ..
وكان من الممكن أن تقبل بالحكم وترضى بالأمر الواقع وأن تكون مجرد أم عازبة ..
لكنها ، لم تكن كما أرادها المجتمع المنافق أن تكون.. كانت امرأة حرة وشجاعة ،وقدمت شرفها وسمعتها قربانا للحقيقة وللنساء المغتصبات المقيدات بسلاسل الصمت ..
و كان من الممكن أن يكون المغتصب قد انتهى سياسيا وانسحب من المشهد كما يحدث في كل الدول الديمقراطية ..
لكنه، لا يزال يطل علينا في جلسة الأسئلة الشفوية، و يواصل مساره السياسي في التسيير الجماعي والتشريع والتنزيل الديمقراطي لدستور المناصفة، وكأن شيئا لم يكن..