تبدو الستائر القديمة، والبطانيات المستعملة، ومناديل المطبخ، والأثواب العتيقة من السوق كأشياء عادية لمعظم الأشخاص، لكن أيدي محمد بورزة ترى فيها فرصة لتحويلها إلى أشياء ثمينة وإعطائها حياة جديدة. رغم حصول محمد الملقب بـ "ميمو" على البكالوريا عام 2016، إلا أنه قرر مغادرة مقاعد الدراسة ليتبع شغفه في مجال آخر. بدأ مسيرته المهنية قبل ذلك بعام، في 2015، حيث انخرط في عالم التجارة ببيع "الكندورة" (لباس تقليدي مغربي) في الأسواق، والتي كان يشتريها من أسواق الجملة.
مع مرور الوقت، بدأ محمد ابن مدينة مراكش، بتطوير مشروعه الخاص، حيث قرر شراء الأثواب وتفصيلها وعرضها على الخياطين لخياطة "القبية"، وهي نوع من القمصان الرياضية. على الرغم من أن البداية كانت محدودة، إلا أن الطلب على منتجه ازداد تدريجيًا، مما دفعه لتوسيع نشاطه وتوزيع منتجاته على أسواق المدينة الحمراء.
في عام 2020، كانت نقطة تحول كبيرة في حياة محمد البالغ من العمر 26 عاما، إذ قام بجمع رأس المال الذي كسبه من تجارته وقرر استثماره في شراء مجموعة من الأثواب. طلب من أحد الخياطين إنتاج 3000 "قبية" وتوزيعها في الوقت المحدد، ولكن الخياط لم يبدأ في تنفيذ الطلبية، مما جعله يقف أمام تحدٍ كبير بسبب الضغط الزمني، ليقرر شراء آلة خياطة وطلب من الخياط تعليمه خياطة قطعة واحدة فقط، ليتمكن من إكمال الباقي بنفسه. رغم أن تعلمه للخياطة كلفه الكثير وأفسد الكثير من الأثواب في البداية، إلا أن النتيجة النهائية كانت مرضية.
"في البداية عند تعرضي لهذا الموقف كنت غاضباً جداً، لدرجة أنني تعرضت لتورم وانتفاخ على مستوى الوجه، لكن لولا هذه التجربة لما كنت قد تعلمت الخياطة، ولما كنت قد وصلت إلى هنا".
تعلم محمد بسرعة كبيرة، مما جعله يتقن أساسيات أخرى مثل الرسم لتصميم الملابس، بالإضافة إلى المونتاج والتصوير، بفضل مساعدة صديقه سفيان الذي وفر له أدوات التصوير بأدوات بسيطة مثل "البانيو".
بدأت شهرة محمد في الازدياد عندما قرر الدخول إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي، فخلال شهر رمضان الماضي، قرر مشاركة إبداعاته على منصة إنستغرام. أول فيديو نشره كان يعرض بذلة مصنوعة من بطانية النمر التي كانت تشتهر بها البيوت المغربية، والتي تحمل ذكريات طفولية للجميع. وقال مازحا "جميعنا كأطفال لدينا ذكريات معها والتي ترتبط عادة بالحوادث الليلية، فبمجرد ما ينظر بعضنا إليها يتذكر تلك الأيام التي كان يستيقظ فيها كل صباح وهو مبلل"
"لم نعد نتوفر على هذه البطانية داخل المنزل، لكنني كنت مصرا على الحصول عليها، لذا قمت بنشر إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بي، في حال كان أحد متتبعي يتوفر عليها، وبالفعل تواصل معي شخص وقام بإعطائها لي"
بعد نشر الفيديو الذي استغرق تصويره مدة شهر باعتباره أول فيديو له، لم يكن يتوقع أن يحصد مشاهدات كثيرة، لكنه تفاجأ بعدد المشاهدات الكبير الذي تجاوز المليوني مشاهدة في غضون أربعة أيام فقط. هنا، أدرك أن شهرته بدأت تنمو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
استمر محمد في استخدام أشياء من المنزل في تصميماته، مثل الستائر والملاءات المطرزة بالطرز الفاسي. حكى مازحًا عن تعويضه لوالدته بكل قطعة يستخدمها من المنزل بأخرى جديدة، مشيرًا إلى أن هذا كان جزءًا من اتفاقهما وأضاف مازحا " هذه هي شروط اللعبة معها". استخدم أيضًا أدوات معروفة لدى كل أسرة مغربية، مثل صحن "الطاووس" لأخذ القياسات، مما أعاد ذكريات الطفولة لمتابعيه.
ويتذكر ذكرياته مع هذا الصحن الذي غالبا ما يحمل علامة بصباغة الأظافر لكي تميز كل أم مغربية صحنها عن جارتها في حال قامتهد بإعارته لها. وقال "عندما كنا أطفالاً، كانت أمهاتنا تهددنا إذا كسرناه، وأحببت أن أسترجع هذه الذكريات لمتابعي. وبالفعل، الفكرة وصلت من خلال التعليقات المتكررة: "وناري وتهرسو" (يا ويلك إذا كسرته)".
كما اشتغل محمد مؤخرا بستائر المنزل، والملاءة المطروزة بالطرز الفاسي والتي كانت تشتهر بها تجهيزات العروس قديما، حيث لاقت النتيجة إعجابا كبيرا من طرف متابعيه.
بفيديوهات قليلة على إنستغرام، تمكن محمد من جذب حوالي 200 ألف متابع. كما بدأ يتلقى طلبات لتصميم الأزياء من أشخاص عاديين وحتى بعض المشاهير، لكنه لم يتمكن من قبولها في الوقت الحالي، لأنه أراد التركيز على تطوير محتواه على وسائل التواصل الاجتماعي. يخطط محمد لفتح ورشته الخاصة في المستقبل ليتفرغ أكثر لطلبات الزبائن.
يمشي محمد بخطى بطيئة ولكن واثقة، مؤمنًا بأهمية الشهرة المحلية قبل الانتشار عالميًا. لا يخطط لتلقي تعليم رسمي في مجاله أو الحصول على شهادات، بل يفضل التكوين الذاتي من خلال مشاهدة الفيديوهات المتاحة عبر الإنترنت.
تمكن محمد من جمع مبلغ مالي من خلال تجارته، ويخطط لمزيد من الإبداع باستخدام أدوات مختلفة بمجرد الانتهاء من استخدام حاجيات والدته.