نشأته في فاس، العاصمة الثقافية للمغرب، ساهمت في احتكاكه وتعرفه على الحرف اليدوية، فكل ركن من أركان المدينة العتيقة مصنوع بأيدي حرفيين مخلصين وماهرين وصبورين.
هكذا يرى رائد الأعمال الشاب إسماعيل التازي مسقط رأسه، حيث ولد وترعرع في عائلة من الحرفيين. فجدتاه كانتا تعملان في التطريز اليدوي، وكان جده لأبيه يعمل في تجارة الحرير، كما كان جزء كبير من عائلته لأمه يمارس صناعة الفخار.
وانطلاقاً من هذا الحب والشغف بعالم الحرف اليدوية، اتخذ إسماعيل منحىً أكاديمياً ومهنياً مختلفاً نوعاً ما. بعد إنهاء دراسته الثانوية في فاس، غادر إلى فرنسا لدراسة إدارة الأعمال.
بعد حصوله على شهادة البكالوريوس من جامعة السوربون في باريس، التحق بكلية إمليون، وهي واحدة من أعرق مؤسسات التعليم العالي في فرنسا. عندما كان طالباً، سافر الشاب المغربي إلى الصين لقضاء سنة تبادل في شنغهاي ثم إلى أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم التحق بأول تدريب له في مجال التمويل في العاصمة الأمريكية واشنطن، قبل أن يشرع في العمل المصرفي في لندن.
توحيد الحرفيين وعشاق التكنولوجيا
لكن تحولاً مهنياً جديداً كان يلوح في الأفق في عام 2020، عندما قرر إسماعيل أخيراً ترك مجال المال والأعمال لمتابعة شغفه الحقيقي. وخلال حديثه ليابلادي يحكي إسماعيل المقيم حالياً في باريس "في يناير 2020، أطلقتُ شركة Trame، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة بين التكنولوجيا والثقافة والتصميم والفن".
بالنسبة له، يعتبر الاستوديو الفني "تقاطعاً" بين الحرفية التي نشأ عليها والتكنولوجيا التي هي أداة العصر. كما أن حبه للابتكار كان وراء هذا المشروع. وقال "في فاس، تكبر وأنت ترى الحرفيين في كل مكان، وترى أيضاً أن الأمر يتغير ببطء. بحكم الافتقار إلى الكثير من الابتكار"
"نحن نعيد إنتاج نفس الأشياء، بنفس لوحة الألوان ونفس التصاميم وبنفس المواد والأدوات. كان هذا مصدر إلهام كبير بالنسبة لي، في محاولة للتفكير في كيفية إدخال الابتكار ضمن هذا التراث".
وهذه هي الطريقة التي تعمل بها " Trame"، حيث تجلب التكنولوجيا كحل لابتكار الفن، وخاصة الفن التقليدي المغربي. وأوضح إسماعيل أن شركته تساعد في الجمع بين الحرفيين وعشاق التكنولوجيا لابتكار أعمال فنية وديكورات وتصميمات ذات صلة بعصرنا الحالي.
الطباعة ثلاثية الأبعاد والترميز
تتمثل الطريقة التي تساعد بها "Trame" المبدعين والحرفيين في محاولة إيجاد حلول وأدوات رقمية لابتكار الفن. "على سبيل المثال، عند ابتكار نسيج، نتعاون مع أحد المبرمجين باستخدام البرمجة كوسيلة فنية. يمكن للتكنولوجيا أيضاً أن تلعب دوراً في التصنيع؛ على سبيل المثال، عند إنتاج عناصر مطبوعة ثلاثية الأبعاد من الطين، نرى ذلك تصنيعاً رقمياً."
وبالإضافة إلى الجمع بين الحرفيين والفنانين الرقميين ومحترفي التكنولوجيا، يقوم الاستوديو أيضاً بتطوير المفاهيم والنماذج الأولية وإصدار المجموعات وتصويرها والقيام بحملات التواصل وتنظيم معارض لعرض هذه القطع الفنية وبيعها.
وبحسب إسماعيل، فإنه بغض النظر عن الوسيلة أو الأداة المستخدمة في الابتكار في مجال الحرف اليدوية، فإن الابتكار أمر لا بد منه. ولكن في بعض الأحيان يقابل التغيير بالمقاومة، إذ أن "بعض الحرفيين يرفضون تجربة طرق جديدة وتقنيات جديدة".
بالنسبة له، هذا ليس بالأمر الجديد، "ولكن عندما تأتي بخطة ورؤية وتخلق الثقة والاحترام، يرغب الناس عموماً في تجربة شيء جديد".
وبالإضافة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، ابتكرت الشركة أيضا منتجات بمساعدة تقنيات جديدة أخرى مثل التصنيع باستخدام الحاسب الآلي والترميز.
ومن بين أحدث مشاريع "Trame" هو تعاونها مع ثلاثة فنانين رقميين من الجالية من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين سيعرضون إبداعاتهم بحلول نهاية العام.