سارة الفاسي المشاشتي واحدة من المهاجرين المغاربة الذين يحرصون على كسر الصور النمطية التقليدية حول هذه الفئة، وهو ما دفعها منذ البداية إلى مواصلة تعليمها العالي، وأن تصبح محامية بالأراضي الإسبانية، للدفاع عن حقوق المهاجرين، لكن أيضا عن الاسبان.
بعد 15 يوما على ولادتها عام 1992 بمدينة دانية الواقعة جنوب شرق إسبانيا، قرر والدا سارة العودة بها هي وإخوتها إلى المغرب والاستقرار بمدينة تطوان مسقط رأسهما، من أجل تعلم الدارجة وأيضا النشأة وسط مجتمع مسلم والتشبع بالثقافة والعادات المغربية.
وتلقت المحامية الشابة، تعليمها الابتدائي بمدرسة عمومية مغربية، حيث تعلمت اللغة العربية، لتواصل بعد ذلك تعليمها الإعدادي والثانوي بمدرسة إسبانية في تطوان. وبعد حصولها على شهادة الباكالوريا الإسبانية، قررت العودة إلى المملكة الإيبيرية من أجل مواصلة تعليمها العالي، كما خطط والداها منذ البداية.
وقالت خلال حديثها مع موقع يابلادي "التحقت بكلية الحقوق بمالقة، حيث حصلت على الإجازة، وفي عام 2014 انتقلت إلى بلجيكا حيث حصلت على ماستر في الدراسات الأوروبية" لتعود إلى إسبانيا وهذه المرة لتشتغل كباحثة في القانون الدولي بجامعة في ألميريا لمدة سنتين. بالموازاة مع ذلك كانت سارة تعمل على الحصول على ماستر آخر في القانون الدولي، لتقرر بعد تخرجها في 2021 ولوج عالم المحاماة، وافتتحت مكتب محاماة خاص بها بالجزيرة الخضراء، يضم أربعة محامين مغاربة وإسبان، بينهم أخوها التوأم.
وتشتغل سارة وزملاؤها على ثلاث ملفات رئيسية، تتعلق بقانون الهجرة، والقضايا المدنية الجنائية، بالإضافة إلى مشاكل الجيش الإدارية، "على سبيل المثال إذا كان جندي ما يواجه مشاكل مع رئيسه، أو مهدد بالطرد وغيرها من المشاكل".
دفاع عن المرأة
وبالموازاة مع عملها، تحضر سارة التي تتحدث بالعربية والفرنسة والإسبانية والإنجليزية، والقليل من الصينية بحكم أنها قضت ثلاثة أشهر في الصين، الدكتوراه حول المرأة المغربية التي تجد نفسها ضحية بين الثقافتين المغربية والإسبانية، وأوضحت قائلة "اختياري لهذا الموضوع لم يكن عشوائي لكنها قضية تهمني كثيرا، بحكم أنه واقع أعيشه، وهي فرصة أيضا لاستقراء مشاعرنا، نحن كمهاجرات مغربيات".
"أحاول تسليط الضوء على المرأة المغربية في إسبانيا وطريقة النظر إليها، بالإضافة إلى تحليل القانون المغربي وتطوره، ومقارنته بالقانون الإسباني. دائما ما ينظر إلى المرأة المغربية بنظرة مختلفة هنا في إسبانيا حيث ينظر إليها على أنها خاضعة"
ونظرا لكثرة الإقبال والتوصل بقضايا عديدة، سواء من المغاربة أو الأجانب، تعمل سارة حاليا على افتتاح مكتب محاماة أكبر، خلال هذه السنة، سيضم عددا كبيرا من المحامين.
"أشعر باعتزاز كبير عندما أربح قضاياي، لكنني لا زلت أشعر بفخر كبير ليومنا هذا بعد تمكني من الحصول على بطاقة الإقامة لمهاجرة مغربية كانت تقيم هنا بشكل غير نظامي، ومنذ عدة سنين وهي تحاول ذلك عن طريق محامين أيضا، أنفقت أموالا طائلة بعدما باع والديها في المغرب جميع أملاكهم، لكن في كل مرة كان طلبها يرفض. هذه القضية لم تكن مقابل ربح مادي كبير مقارنة بقضايا أخرى، لكن الرضا الذي شعرت به، وأنا أنظر إلى موكلتي لحظة قبول ملفها، في ظرف شهر ونصف، لن أنساه طوال حياتي".
عمل سارة مع المهاجرين وخاصة المغاربة يجعلها تفتخر أكثر بنفسها وخصوصا بوالدها الذي اشتغل في ديار المهجر كعامل بناء ورجل إطفاء وغيرها من المهن، وتحكي ابنة مدينة تطوان التي تعتز بوالدها قائلة "أسعد يوم في حياة والدي، هي لحظة حضوره حفلات تخرجنا أنا وإخوتي، خصوصا وأنه لم يواصل تعليمه وأنه من طبقة فقيرة، ودائما ما يتذكر تلك الأيام ويقول لي: أتذكر يوم كنت أبلغ من العمر 6 سنوات وأجني التين، من أجل بيعه لشراء دفتري المدرسي، وها أنا ذا أقف مع ابنتي المحامية".
من السفر إلى صناعة محتوى
دفاع سارة عن صورة المهاجرين لم يقتصر على عملها فقط، بل وظفته أيضا في حبها للسفر، وقالت "لطالما كنت أحب السفر، وفي كل مرة كنت أسافر وألتقي أشخاصا من جنسيات أخرى، ونتعرف على بعضنا البعض وأخبرهم أنني مغربية دون الحديث عن جنسيتي الإسبانية، كانوا يتساءلون، كيف يعقل أنني من المغرب، وأسافر بمفردي، كان هذا الأمر يغيظني كثيرا".
وفي ظل الكم الهائل من المحتويات التي أصبحنا نشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي، ترغب سارة في تقديم محتوى هادف واكتشاف "العالم بعيون امرأة مغربية عربية، حتى أنني أحاول ارتداء نفس اللباس، لكي يركز المتتبعون على المحتوى الذي أقدمه وليس على شكلي".
وتحاول المحامية الشابة، من خلال حسابها على منصة انستغرام الذي أطلقت عليه اسم "الحرة"، وهو الاسم الذي استلهمته من السيدة الحرة، نشر معلومات هادفة وفريدة عن مختلف الأماكن والدول التي تزورها.
ورغم أنها لا تملك متسعا من الوقت بين عملها في المحاكم وأيضا سفرها، إلا أن سارة تخطط للاستثمار في المغرب، لكن بعيدا عن مجال المحاماة، وإنما في مشروع يرتبط بهوايتها، وحبها للسفر.