قبل 7 أكتوبر، كانت منى* تعيش مع زوجها وابنتيها في منزلهم الواقع في مدينة غزة. ورغم أنه سبق أن مرت عليهم حروب من قبل، لكنها لم تكن تجبرهم على ترك بيتهم والسفر ومواجهة عدة عقبات للعبور إلى مصر، إصرارا منهم على البقاء على قيد الحياة.
ولدت منى لعائلة ذات أصول مغربية، وتفخر لكونها تنتمي لمجموعة من المغاربة الذين غادروا وطنهم إلى فلسطين لمحاربة الصليبيين إلى جانب مؤسس الأسرة الأيوبية صلاح الدين الأيوبي. واليوم، تمكنت الأم بفضل جواز سفرها المغربي من الفرار من الموت والدمار عبر معبر رفح الحدودي.
وتحكي منى خلال حديثها مع موقع يابلادي، من مكان إقامتها المؤقت بمصر، كيف بدأ كل شيء "نحن نعيش في مدينة غزة. عندما بدأت الحرب، أبلغتنا القوات الإسرائيلية بالإخلاء والتوجه إلى الجنوب".
كانت منى وزوجها وابنتيهما من أوائل العائلات التي قررت مغادرة غزة بعد وقت قصير من اندلاع الحرب. وقالت "تركنا كل شيء ورائنا، ولم نأخذ سوى بعض المال وجوازات السفر وقطع ملابس لكل واحدة من بناتي".
ولم تكن الأم المغربية تتوقع أن يأخذ الوضع مثل هذا المنعطف المأساوي. وبينما قُتل بعض أفراد عائلتها في القصف الإسرائيلي الذي استهدف غزة، تمكنت منى وعائلتها من الفرار جنوبًا. ولكن حتى مرحلة الهروب كانت بمثابة موت محقق، بحكم أن الرحلة كانت غير آمنة ومليئة بالنضال.
رحلة طويلة وخطيرة ومرهقة إلى الجنوب
ووصفت منى الرحلة إلى رفح بـ "الطويلة والخطيرة والمرهقة" مشيرة إلى أنها مرت في ظروف غير إنسانية. وتتذكر تلك اللحظات قائلة "هربنا أولاً إلى الوسطى (محافظة في قطاع غزة)، وحاولنا العثور على ملجأ مع بعض أفراد العائلة، وكانت الأماكن كلها تعيش تحت القصف الإسرائيلي".
وكان على الأسرة المكونة من أربعة أفراد، الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة، رغم، صعوبة الحصول على المياه والأكل بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت والاتصالات.
"كان علينا أن ندفع ثمن المياه للشرب حتى نتمكن من البقاء على قيد الحياة، علما أنها كانت باهظة (...) طوال تلك الفترة لم أتمكن من التواصل مع أفراد الأسرة الآخرين الذين كانوا لا يزالون عالقين في غزة، في بعض الأحيان كنت أبعث لهم رسائل نصية، كانت تصلهم بعد يومين".
وفي ظل هذه الظروف القاسية، اضطرت الأسرة إلى مواصلة التوجه جنوبًا. في حين أن الرحلة باتت أقل أمانًا. وقالت "عندما طُلب منا التوجه جنوبًا، اعتقدنا أن الوضع سيكون أكثر أمانًا. لكن في الواقع هربنا من القصف الإسرائيلي، وحاصرتنا الغارات".
واضطرت منى مع ابنتيها، البالغتين من العمر 8 و5 سنوات، إلى مغادرة الوسطى إلى خان يونس. وفي ظل نفس الظروف، كان عليها أن تواصل رحلتها بما توفر لها. وقالت "مرت علينا أوقات كنا نجد فيها أنفسنا مكدسين مع 200 شخص في نفس المنزل أو المأوى، بدون مياه ولا كهرباء، والأسوأ من ذلك، انعدام الشعور بالأمان".
وقالت منى التي كان اسمها على قائمة سكان غزة الآخرين الذين يحملون الجنسية المغربية، وستتم إعادتهم إلى وطنهم "عندما غادرنا غزة للمرة الأولى، لم نعتقد أننا سننتهي في رفح. لم نتوقع أن تكون الحرب بهذه القسوة. لكن عندما أدركنا أن الأمور تزداد سوءًا وأن حياتي وحياة أسرتي في خطر، قررنا الذهاب إلى رفح للعودة إلى وطننا".
عبور طال انتظاره
بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى رفح، وأسابيع من الانتظار لإدراجها في قائمة المغاربة الذين سيتم إعادتهم إلى وطنهم، تمكنت منى وعائلتها أخيرا من العبور.
"كان علينا الانتظار، في البداية لم تكن أسماؤنا مدرجة في قائمة المغاربة الذين سيتم إعادتهم عبر رفح. صباح كل يوم كنت، أتحقق من وجود أي أخبار عن إعادتي إلى أرض الوطن. كانت أوقات مليئة بالانتظار في ظروف رهيبة، كنا نخشى ألا يكون اسمي في القائمة، وأنني لا أعلم عنها شيء بحكم انعدام الشبكة".
بعد شهر تقريبًا من التسجيل للعودة بين المواطنين المغاربة في غزة، وجدت منى أخيرًا اسمي ابنتيها في القائمة. وتحكي منى التي وصلت بأمان إلى القاهرة قبل أسبوعين "من حسن حظي ذلك اليوم: كان لدي إنترنت، فتفحصت هاتفي ووجدت أن اسمي ابنتي كانا مدرجين في القائمة. لكنني ووالدهما تمكنا من عبور الحدود كأوصياء قانونيين عليهما".
في غزة، تم تدمير منزلهم جزئيًا، حيث أخبر الجيران الذين تمكنوا من العودة إلى المدينة خلال هدنة 24 نونبر، الأم أن شقتها في الطابق السادس دمرت جزئيا بسبب غارة إسرائيلية.
وتشعر منى بالقلق بشأن أفراد الأسرة الآخرين الذين لم يتمكنوا من العبور. وقالت "مازلنا في حيرة من أمرنا. وما زلنا ننتظر أفراد عائلاتنا الموجودين في قطاع غزة، وهم مغاربة أيضًا، وما زالوا ينتظرون إعادتهم إلى وطنهم. حتى أن بعضهم فقدوا أحفادهم في التفجيرات".
ومع كل ما مرت به، تشعر منى بالامتنان لأنها تمكنت من مغادرة غزة بأمان، على أمل العودة إلى مسقط رأسها أو السفر إلى المغرب حيث لا تزال لديها عائلة وجذور حتى يومنا هذا.
*تم تغيير الاسم بناء على طلب المعنية