ما تقييمكم لنتائج البحث الدولي لتقييم التلاميذ 2022 PISA الذي تشرف عليه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE؟
نتائج PISA 2022 هي نتائج ضعيفة بالنسبة للمغرب كما كان منتظرا، وهي نفس النتائج تقريبا التي حصل عليها التلاميذ المغاربة سنة 2018، مع تسجيل تراجع في المواد الثلاث بنسب متفاوتة.
التراجع لم يكن مقتصرا على النقط التي حصل عليها التلاميذ المغاربة، والتي هي بعيدة عن المتوسط الدولي وبعيدة أيضا بشكل أكبر عن الدول المتقدمة، التراجع حصل على الخصوص في نسبة التلاميذ اللذين لا يتحكمون في الحد الأدنى من الكفايات وهذا هو الكارثي، هناك سلم للكفايات تضعه دراسة PISA ولتلاميذ المغاربة لم يصلوا إلى الدرجة الدنيا، وبلغت نسبة عدم المتحكمين في الحد الأدنى من الكفايات أكثر من 80 في المائة، بعدما كانت في حدود 75 في المائة في نتائج 2018.
وماهي الأسباب في نظركم؟
التلاميذ يعانون بسبب جائحة كوفيد 19، التي تم خلالها إغلاق المدارس والاعتماد على التعليم عن بعد الذي لم تكن شروطه متوفرة . تأثير جائحة كوفيد 19 كان واضحا في هذه الدراسة الأخيرة.
بالإضافة إلى كوفيد، هناك سبب ثاني يعود إلى طريقة اشتغال المنظومة التربوية المغربية، التي تقوم على أساس تضخيم الأرقام فيما يتعلق بمستويات النجاح في المستويات الإشهادية، خاصة الباكالوريا ونهاية التعليم الإعدادي، حيث نميل إلى الرفع من عدد الناجحين، وكأننا نتسابق في كل سنة على أن يكون العدد أكبر من السنة الماضية بغض النظر عن الاستحقاق، ونقع في فخ إنجاح التلاميذ المغاربة بدل النجاح.
في سنة 2021 مثلا تم إنجاح تلامذة التعليم لإعدادي بنسبة تجاوزت 80 في المائة في حين كانت النسبة في السنوات قبل 2021 لا تتجاوز 55 في المائة ، ونعلم أن PISA موجهة إلى تلاميذ في سن الـ 15 سنة، وهؤلاء يدرسون في بداية سلك التأهيلي أي الجدع المشترك.
هذا الارتفاع الصاروخي في نسب النجاح، أدى إلى وصول مجموعة من التلاميذ غير المتمكنين من الكفايات الأساسية إلى الجدع المشترك، وهم الذين تم اختبارهم في PISA.
وهناك سبب مباشر آخر، يتمثل في التحول الذي حدث في المنظومة التعليمية المغربية من تدريس المواد العلمية باللغة العربية إلى تدريسها باللغة الفرنسية، وهذا التحول أثر على نتائج التلاميذ في العلوم. التلاميذ لا يتقنون الفرنسية، وينبغي أن يفهموا مادة تدرس بالفرنسية، وهو ما خلق عائقا مزدوجا يتمثل في اللغة والمادة، وهذا ظهر في النتائج، رغم أن المغرب قرر في اختبارات 2022، أن يكون اختيار لغة الاختبار من اختصاص المؤسسة، بهدف التقليل من احتمال الوقوع في عدم فهم التمارين موضوع الامتحان.
كما أن هناك مشكل مرتبط بأزمة الأساتذة المتعاقدين الذين كانوا يدخلون في إضرابات للمطالبة بتغيير وضعيتهم، وهذا أثر على التحصيل الدراسي.
وهناك مشاكل بنيوية مرتبطة بالمنظومة التعليمية المغربية، وهي مشتركة بين جميع الاختبارات التي يجتازها التلاميذ المغاربة، تتمثل في التكوين الأساسي للمدرسين، وهو تكوين لا يمكنهم من التحكم في المهارات الأساسية التي تؤهلهم للقيام بمهامهم.
والمشكلة الثانية مرتبطة بالمنهاج الدراسي الذي لا يركز على المواد الدراسية الأسيسة، ويكون مشتتا بين مجموعة من المواضيع ومكتظا بالمعارف، ولا يركز على تنمية المعارف العليا، والتي تهم قدرة المتعلم على التفكير النقدي وحل المشكلات المركبة...
وهناك مشكل مرتبط بالزمن المدرسي، رغم أن الزمن المدرسي الرسمي بالنسبة للمغرب هو الأعلى في كل المنظومات التربوية المشاركة في PISA 2022، لكن هذا نظريا فقط، وعلى مستوى الواقع التلميذ المغربي يبدأ الدراسة في أكتوبر وينهي المسوم الدراسي في أواخر شهر أبريل، وهذا يقلل من الزمن الفعلي الذي يقضيه المتعلم في المؤسسة التعليمية، ولا يمكنه من إتمام المقرر بشكل كامل
بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتمثل في انتشار عدد من الظواهر المشينة داخل وخارج المؤسسة.
هل تعتقد أن الإصلاح الحالي سيمكننا من تجاوز هذا الوضع مستقبلا؟
أنا شخصيا أشك في ذلك لأن خارطة الطريق التي بدأت الوزارة في تنفيذها، لا تشمل جميع المنظومة التروبية، التي تركز على بعض النقط والتي رغم أهميتها لن تمكن من إصلاح المنظومة ككل، لأن المنظومة معطوبة بشكل بنيوي.
خارطة الطريق ركزت على ثلاث مكونات هي التلميذ والأستاذ والمؤسسة، وتريد أن تحقق ثلاثة أهداف استراتيجية فقط، الهدف الأول الرفع من مستوى التحصيل الدراسي، والثاني تقليص نسبة الهدر المدرسي، والثالث الرفع من الأنشطة الموازية في المؤسسات التعليمية.
هذه الأهداف ليست هي كل الإصلاح، لأن الإصلاح الذي جاء في الرؤية الاستراتيجية وتم ترسيمه قانونيا من خلال القانون الإطار يشمل المنظومة بجميع مكوناتها.
خارطة الطريق تركز على التعلمات الأساسية فقط، وتركز على الابتدائي، وتهمل باقي الأسلاك التعليمية، وحتى فيما يتعلق بهذه الأهداف الاستراتيجية فنلاحظ هذه السنة أن عدد التلاميذ الذين غادروا المؤسسات التعليمية، بفعل الانقطاع بلغ عددهم 350 ألف، فيما كان في السنة التي قبلها 334 ألف، وقبل ذلك 331 ألف، إذن نحن في منحى تصاعدي فيما يخص الهدر المدرسي.
ومع هذا الحراك الموجود في الساحة التعليمية والاضرابات، ينتظر أن تتعمق الجراح على المستوى القريب ونتمنى أن يتم تدارك ذلك بمبادرات وتدابير تمكننا من الخروج من هذا المأزق.
عندما تأتي حكومة وتبدأ من الصفر ولا تبني على التراكم، فهذا الوضع لا يسمح بالإصلاح على المدى الطويل، ونبقى في دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح.
القانون الاطار جاء لكي يضمن استمرارية الإصلاح، لكن مع الأسف هذه الحكومة تخلت عن القانون الإطار لأن أول خطوة في تطبيقه هي ترجمته إلى نصوص تشريعية، ثم نصوص تنظيمية، ولكن لحد الآن لم يخرج أي نص تشريعي، ما يعني أن القانون الإطار دخل في سكتة قلبية.