أكد الملك محمد السادس أن أكاديمية المملكة المغربية أصبحت اليوم، منارة للفكر والبحث المعرفي والثقافي العابر للقارات.
وأبرز الملك محمد السادس في رسالة موجهة إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية بمناسبة حفل افتتاح الدورة الأولى للمؤسسة في حلتها الجديدة، والذي ترأسه صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن اليوم الأربعاء، أن هذه المؤسسة العتيدة التي أضحت مشتلا للارتقاء بالقدرات الفكرية والعلمية في كل مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، تسهم في تطوير البحث وإغنائه، وفي إبراز العمق التاريخي والحضاري الذي راكمته المملكة على مر العصور.
وأكد الملك محمد السادس، في هذه الرسالة التي تلاها أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبد الجليل الحجمري، أنه بغية تمكينها من النهوض بالمهمة النبيلة المنوطة بها على أكمل وجه، فقد حرص جلالته منذ سنة 2015، على تفعيل الأكاديمية وتجديد هيكلتها.
وأوضح صاحب الجلالة أن هذه المبادرة تمت بما ينسجم مع أهداف ومقتضيات دستور المملكة، الرامية إلى صون الهوية الوطنية، بمكوناتها العربية-الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وكذا مع خدمة الإشعاع العلمي والثقافي للمملكة، والإسهام في التفكير في الإشكاليات والقضايا المطروحة على عالم اليوم.
وفي هذا السياق، قال "أبينا إلا أن نعطي للأكاديمية نفسا جديدا ودفعة قوية، تعتمد على رؤية جديدة، بهياكل وأعضاء جدد، وبرامج ومشاريع في مجملها ذات صلة بهويتنا، منفتحة على التجارب الثقافية الدولية لمواكبة مستجدات العصر".
وسجل الملك أن الهيكلة الجديدة التي ارتآها لهذه المؤسسة، والتي تتوخى التدبير الرشيد والإسهام الفاعل والمؤثر، "قد أعلنا عنها في ظهيرنا الشريف الصادر في فبراير2021، بحيث تم إلحاق المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، بالأكاديمية، كما أحدثت كل من الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة والمعهد الأكاديمي للفنون، ومؤسسة أكاديمية المملكة المغربية للتعاون الثقافي"، مشيرا جلالته إلى أن كل ذلك تم من أجل رفع التحديات التي أضحى يفرضها مجتمع المعرفة.
وأكد أن هذه الهيئات تضع على عاتقها مسؤولية العناية بالمعرفة التاريخية، وتجديد مناهج البحث في تراث المغرب وتاريخه، فضلا عن منح العناية الوافية لحقلي الترجمة والفنون، لما لهما من أدوار في تبيان مساهمات الفكر المغربي في المعرفة الإنسانية المعاصرة.
واعتبر جلالة الملك أن ما أقدمت عليه الأكاديمية من إعادة هيكلة مكوناتها، سيمكنها من أداء المهمة النبيلة المنوطة بها، في خدمة الإشعاع العلمي والفكري والحضاري للمملكة، كي تظل ملتقى للحوار، وأرضا للقاء بين أعلام الفكر والعلم بمختلف تخصصاتهم واهتماماتهم، وتبادل الرؤى بخصوص مختلف قضايا هذا العصر.
واعتبارا للأبعاد المتعددة لعمل أكاديمية المملكة المغربية، يضيف جلالة الملك "قمنا بتعيين أكاديميين جدد، مغاربة وأجانب، مراعين في ذلك تنوع مشاربهم، وتكامل اختصاصاتهم، واتساع خبرتهم ووفرة تجربتهم".
من جهة أخرى، سجل المك محمد السادس أن الأكاديمية واصلت اهتمامها بصون وتثمين التراث المغربي، والاحتفاء بأعلام الفكر المغربي، وإحداث كرسي الآداب والفنون الإفريقية وكرسي الأندلس، وكرسي للآداب المقارنة. وأشار جلالة الملك إلى أن هذه المبادرات تتوخى دعم القدرات المعرفية الشابة، في إطار مشروع الطلبة الدكاترة بالجامعات المغربية، الذي يوليه جلالته العناية والاهتمام، معربا جلالته عن إيمانه بأن تقدم المجتمع لن يتم من غير نهضة ثقافية، ومن غير انفتاح العطاء الأكاديمي على نوابغ المستقبل من الشباب.
وأكد جلالة الملك في هذا الصدد أن الشباب يمثل "الرأسمال البشري القادر على تجسيد الابتكار والفكر الخلاق، أخذا وعطاء، في العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغات والعلوم والآداب والفنون".
وأشاد صاحب الجلالة، في هذه الرسالة باختيار "الأسرة وأزمة القيم" كموضوع رئيسي لهذه الدورة، اعتبارا لأهميته وراهنيته، خاصة في ظل ما يشهده العالم من اهتزاز في المرجعيات وفقدانها أحيانا.
وعلى هذا الأساس، أكد جلالة الملك أن الأمر يستدعي تعميق التفكير في هذا الموضوع الجوهري، والدراسة العلمية الرصينة للتحولات الجارية، ولتداعياتها على كل المستويات، لاسيما في ما يخص التماسك العائلي والتضامن الاجتماعي.