فيما لا يكف البعض عن تذكرينا بما عرفه المغرب في الماضي الأسود. وأنه يجب أن نحمد الله على ما ننعم به من "ديمقراطية" و"حرية" ،حيث تتحول الحقوق إلى إكراميات تستوجب المن!
وأستغرب لبعض الأصوات التي بدأت تستعمل الخصوصية المغربية كحزام واقي من صدمة الديمقراطية، حجتها في ذلك التخلف الشعبي وثبات البنيات والمؤسسات والموروث الثقافي والمتاهات التي دخلتها بلدان مجاورة.. وإنه يلزمنا انتظار عام الفيل لنذوق عسل الديمقراطية المر!
ومع المنعطف الدقيق الذي تمر به وحدتنا الترابية، يطرح السؤال التاريخي: ما العمل؟
وهنا، ليسمح لي القارئ الكريم لأعرج به قليلا على حكايتين نتلمس من خلالهما الجواب الحقيقي للمرحلة الحرجة!
الحكاية الأولى وقعت بدهاليز وزارة الداخلية حين كنت على موعد مع مسؤول وازن، حيث تعمد بمكر أن يستضيفني وهو بمعية مسؤول كبير في حزب يساري-هكذا يقدم نفسه بحكم الأصول- انقسم على نفسه، بعد رفع الحرج عن اللقاء، تدخل المسؤول الحزبي بحماسة زائدة، للإشارة فقط فالزمن كان زمن انتخابات، وقال للعامل المسؤول بوزارة الداخلية: "نحن كنخب مستعدون لتأجيل ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل الوحدة الترابية"! دون أن يحدد من المقصود بالنخب: هل حزبه أم الشعب المغربي؟
الحكاية الثانية وقعت لسفير مغربي بإحدى الدول الأوربية كان قد قدم تقريرا سريا حول تحركات خصوم وحدتنا الترابية بالخارج وشرح وضع ديبلوماسيتنا وسبل مواجهة الوضع، وجاءت في سياق التقرير الذي قدمه السفير بمراكش إشارة بليغة مفادها أنه لا يمكن أن تكون للمغرب سمعة طيبة في الخارج إذا لم تكن أوضاعه الداخلية مستقرة ومبنية على دولة الحق والقانون.
وأضاف التقرير "مهما كان تحرك دبلوماسيتنا في الخارج، فإن مصداقية المغرب خارجيا يكتسبها من مستوى انخراطه في إنجاز الديمقراطية وتحقيق تنمية داخلية" أي بناء الداخل هو أصل واجهة الخارج... وكان من مأساة هذا الديبلوماسي أن سقط تقريره إلى الملك الراحل، بيد أصحاب الحال، فكان مصيره، استقدامه إلى المغرب، وتعيينه عاملا بمراكش ليتحول بعد ذلك إلى مجرد نائب عام في حزب صغير ظل يبحث لنفسه عن موقع قدم قبل أن يذوب مثل فص ملح.
الحكايتان تؤشران على مفارقة غريبة، هي جزء من مركب الأزمة بالمغرب، فالسياسي الراديكالي طالب بتأجيل الديمقراطية لصالح الوحدة الترابية في لحظة انتخابية، والديبلوماسي الرسمي قلب الآية واعتبر أن كسب رهان وحدة التراب الوطني تنطلق من بناء الداخل على أسس ديمقراطية!!
فأي الحلول نختار وقد جربنا عبر ربع قرن سبيل تجييش الأفئدة، وتكميم الأفواه المعارضة، والتصفيق لمفهوم الجبهة الموحدة، وأطلقنا شعارات الوحدة الترابية والمسلسل الديمقراطي والسلم الاجتماعي، وخلال ربع قرن انتقلنا من الوحدة إلى الاستفتاء فالحل الثالث، ولم نجن من المسلسل الديمقراطي غير قيودنا ومن السلم الاجتماعي سوى انتفاضة البيضاء في 81 والشمال في 84 وفاس في90 .
ألا يستأهل منا هذا الوطن شمالاً وجنوبا، شرقا وغربا أن نبنيه على وحدة القلب والعقل معا؟