بيوتنا صغيرة جدا، كيف أصفها؟ وكيف أصورها لك؟ فإذا كنت غنيا، فهي تشبه بيت كلبك، وإذا كنت متشائما فهي تشبه جحرا، وغذا كنت يائسا فأشبهها لك بقبر، وإذا كنت رومانسيا فهي بمساحة بيت شعري أو قصر من رمال، وإذا كنت واقعيا فهي ضيقة ومشتعلة مثل صندوق عود الثقاب.. لكن رغم ضيقها، فهناك متسع في القلب والخاطر قادر على استيعاب كثافتنا البشرية..
داخل كوخنا الصفيحي، لنا شبه مطبخ، ومرحاض عشوائي وغرفة واحدة، واسعة جدا، ليس بعدد الأمتار، بل بعدد الأرواح التي تدفئها كل مساء.. في الغرفة نفسها نأكل ونتخاصم ونشاهد المسلسل التركي المدبلج، وننام، ونمارس الحب، ونحيي الأعراس، وننعي موتانا ونستقبل الضيوف، ونضحك ملأ قلوبنا من كثرة الهم..
ميزة أكواخنا الصفيحية أنها مفتوحة على المجهول، وأبوابها بلا أقفال، وستائرها الذابلة تراقص الرياح، وعبر حيطانها الهشة تصلنا أخبار الجيران وأحاديثهم السرية وخلافاتهم في زمنها الواقعي..
كما أنها مريحة جدا، لا تتطلب منا الكثير من الجهد في الترتيب، فهي مرتبة بالفراغ؟؟ ولا نخاف عليها من اللصوص، فهي محمية بالبؤس الذي يؤثث الأركان..
في أكواخنا الصفيحية الهادئة، نحن مواطنون صالحون.. لا نحتج ولا نشتكي ولا نطالب بالعدالة والمساواة، نرمي الثوار بالحجارة، نغني في الأعياد الوطنية، ونهتف في المواكب الرسمية، ونشارك بكثافة قل نظيرها في كل الاستحقاقات الانتخابية، لا نقول إلا نعم.. نعم أيها السادة نحن موافقون.. موافقون مسبقا ومبدئيا وفرضا وإيمانا وخوفا وطواعية.
في يوم الاقتراع نذهب جميعا لمركز التصويت، الكبار والصغار والرجال والنساء، والخرفان و كلاب الحي والقطط الضالة، كلنا نصوت ونضع في الصندوق الرمز الذي نصحنا به مقدم الحي.. وفي كل المناسبات الانتخابية، يسمحون لنا بإضافة طابق على سطوح الصفيح وببناء أكواخ جديدة، ويزينون سقاية الحي بالفسيفساء الفاسية ويغضون الطرف عن سرقتنا للكهرباء من عمود النور القريب من زقاقنا المظلم..
في كل عام يتم إحصاؤنا لننتقل لأكواخ اسمنتية..وفي كل عام نتضاعف، فيتم تأجيل ترحيلنا.. هم يريدون محاربتنا ونحن نريد السلام.. هم منزعجون من بيوتنا الصفيحية لأنهم يطلون على قذارتها، ونحن مستمتعون بأكواخنا المطلة على بهاء شرفاتهم الواسعة والمزهرة.. نحن سعداء لأننا نمتلك الحلم بشرب قهوة في الشرفة، وهم مهووسون بالخوف من أن يصبح حلمنا حقيقة، فيفقدون أصواتنا الانتخابية حين نصعد الشرفة.