مازال ملف السلفية الجهادية وغير الجهادية مفتوحا كجرح قديم لم يندمل بعد، وفي كل مرة ينزف دما لأن السلطة التي صُدمت بالأحداث الإرهابية في يوم الجمعة 16 ماي 2003، جمعت «الحب والتبن» في سلة واحدة دون تمييز، ولهذا مازال الحقوقيون يطالبون بحل هذا الملف، والتمييز بين من لطخت أيديهم بالدم، وبين من تحوم حولهم شبهات التطرف في الفكر.
التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول السجون، عوض أن يكون فرصة سانحة لرئيس الحكومة لإقالة بنهاشم وإعادة تنظيم عمل مندوبية السجون، حصل العكس، فرفيق إدريس البصري انحنى للعاصفة في الأيام الأولى لصدور التقرير، ثم تحول إلى الهجوم على المجلس الوطني لحقوق الإنسان رغم أنه مؤسسة رسمية، ورئيسها معين بظهير، تماما مثل بنهاشم.
نعم، وقّع المغرب على أكثر من اتفاقية لمناهضة التعذيب، وأصبح يقدم الحساب كل سنة في جنيف أمام هيئات الأمم المتحدة، لكن كل هذا لا يمنع السلطات عندنا من الرجوع إلى عاداتها القديمة.
هناك أكثر من مؤشر على أن السلطة تصفي حساباتها بأثر رجعي مع حركة 20 فبراير، حيث يحاكَم عدد من شبابها أمام المحاكم رغم أن وزير العدل، مصطفى الرميد، كان في مقدمة التظاهرات التي كانت تخرج كل أسبوع للتنديد بالفساد والاستبداد وخرق حقوق الإنسان. رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قال في البرلمان إن حصيلة حكومته في هذا المجال لا تقارن بسابقاتها، وإنه في عهده لم يُعتقل أي صحافي.
نعم لم يعتقل أي صحافي، لكن سقف حرية التعبير نزل كثيرا بفعل الضربات المتتالية التي تلقاها هذا الجسم حتى صار منهكا لا يقوى على رفع رأسه أمام العفاريت والتماسيح، وباقي المخلوقات التي يختبئ وراءها رئيس الحكومة.
لا يوجد نموذج مثالي بين الدول في مجال حقوق الإنسان، لكن هناك فرقا بين تجاوزات فردية لهذه الحقوق، وسياسات عمومية تضع حقوق الأفراد والجماعات أمام المدفعية حتى لا يتحرر الإنسان من قبضة التحكم والاستبداد.
أخطر ما يقع اليوم في المغرب أن الجميع يتكلم لغة حقوق الإنسان، ولا أحد يقول لك إنه ضد هذه الحقوق، لكن عند أول اختبار تهان هذه الحقوق لأن مصدرها غير محسوم وهو: الديمقراطية ودولة الإنسان ومجتمع الحقوق...
شرطي يضرب صحافيا على رأسه لأنه يعرف أن لا أحد سيحاسبه، وسجان يجرد معتقلا من لباسه لأنه يعرف أنه محمي، ووكيل ملك يلفق تهمة لبريء لأنه يعرف أن لا رقيب فوق رأسه، وقاض يسمع لهاتفه وليس لضميره لأنه يعرف اتجاه الريح، وأن الربيع العربي والحكومة الجديدة والخطابات الحقوقية سحابات صيف ستمر ويبقى «المعقول».
انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب ليست سلوكيات أفراد فقط، بل هي سياسة عمومية كذلك والتخلص منها رهين بقرار سياسي يعلن القطيعة مع أساليب الحكم الماضية، والتي كشف الربيع العربي أن تكلفة هذه الأساليب باهظ الثمن على السلطة والدولة ومستقبل البلاد.