القائمة

أخبار

زلزال الحوز: كيف يمكن إنجاح عملية إعادة إعمار القرى المتضررة؟

بعد مرور عشرة أيام على الزلزال الذي ضرب المغرب، تعد إعادة الإعمار أحد أبرز التحديات. ونظرًا لتأثر المناطق القروية بشكل كبير، دعا المهندسون المعماريون إلى إعادة الإعمار دون إغفال التقدم التقني، مع الالتزام بالمواصفات المحلية التي تجسد تراثًا كاملاً وأسلوب حياة.

نشر
DR
مدة القراءة: 7'

مع مرور الأيام، تواصل فرق الإنقاذ والإغاثة جهودها لإيواء المنكوبين وعلاج جرحى زلزال الحوز، بالتزامن مع شروع الحكومة في وضع برامج لإعادة بناء المنازل المتضررة من الزلزال الذي خلف حوالي 3000 قتيل.

ولكون المناطق القروية الجبلية هي الأكثر تضررا، يوصي المهندسون المعماريون بإعادة البناء من خلال الجمع بين مزايا التقدم التقني والخصوصيات المحلية، التي يجب الحفاظ عليها. وتعتبر إعادة الإعمار مشروعا ضخما، حيث قدر عدد المنازل المتضررة بـ50 ألف منزل.

ويوم 14 شتنبر 2023، ترأس الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط، اجتماع عمل خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، وأمر بـ"تعبئة كافة الوسائل بالسرعة والنجاعة اللازمتين من أجل تقديم المساعدة للأسر والمواطنين المتضررين، خصوصا من أجل تنفيذ التدابير المتعلقة بإعادة التأهيل والبناء في المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية ذات الآثار غير المسبوقة، في أقرب الآجال".

وفي هذا الصدد أثار الملك انتباه السلطات المختصة إلى أن عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى ويجب أن تنجز في احترام للشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والانصات الدائم لحاجيات الساكنة المعنية.

كما شدد على ضرورة أن يتم إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة.

ويوم الإثنين 18 شتنبر ترأس رئيس الحكومة عزيز أخنوش الاجتماع الثالث في ظرف أسبوع، للجنة البين وزارية المكلفة بالبرنامج الاستعجالي ﻹﻋﺎدة تأهيل وتقديم الدعم ﻹﻋﺎدة بناء المنازل المدمرة ﻋﻠﻰ مستوى المناطق المتضررة من زلزال الحوز.

وقال أخنوش في حينه إن اللجان التقنية تشتغل حاليا في الميدان، لإحصاء المنازل التي انهارت كليا أو بشكل جزئي، وهي أمور ستشكل أرضية مهمة، لتحديد صنف الدعم الذي ستحصل عليه الأسر المعنية، تفعيلا للتوجيهات الملكية. وتابع أن داخل هذه اللجنة البين وزارية، هناك اشتغال وتفكير متواصل للحكومة، حول الآليات التي بوسعها جعل عملية إعادة الإعمار تمر في ظروف جيدة، وتنسجم تطبيقا للإرادة الملكية، مع تراث وخصوصيات كل منطقة، مؤكدا أن تأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سيأخذ بعين الاعتبار تقوية البنيات التحتية، والرفع من جودة الخدمات العمومية.
وعلاقة بذات الموضوع سبق للمهندس المعماري السويسري ميلو هوفمان، المتخصص في التخطيط الحضري والتراث، أن أوضح في إحدى المقابلات أن "الفكرة الرئيسية هي إعادة اكتشاف الهندسة المعمارية المحلية الزلزالية وإعادة النظر فيها وتحليلها، من أجل فهم أفضل للخصائص الخاصة بأنظمة البناء القائمة منذ قرون". وواصل "الهدف هو دراسة سلوك المواد المختلفة المستخدمة في هذه الهندسة المعمارية".

وفي الهندسة المعمارية التقليدية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، تم العثور على تقنيتين على الأقل "مقاومتين للزلازل بشكل خاص". ووفقا للمهندس المعماري، "الأولى تعتمد على إطار خشبي مع حشوه" بالحجر أو التراب".

أما الثانية فهي "البناء الحجري أو التراب أو طوب الطين، معززًا بعوارض أفقية مدمجة في الجدار". وشدد هوفمان على أنه "تم العثور على هاتين التقنيتين، مع تعديلات إقليمية خاصة من حيث المواد المستخدمة وأبعاد العناصر، من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى سلسلة جبال الهيمالايا".

تحسين جودة البناء في المناطق الجبلية

وفي المغرب، ذهب المهندسان المعماريان كريم الرويسي وعبد الرحيم قاسو إلى موقع الزلزال. وبالإضافة إلى المنازل المنهارة كليا، أشارا إلى أن الآثار تأثرت، خاصة القصبات والمخازن الجماعية ومسجد تينمل، المسجل كتراث وطني، والمدرج في القائمة الوطنية التمهيدية للتراث العالمي لليونيسكو. وأكد كريم الرويسي في اتصال مع يابلادي، أن الأضرار الأكبر تظهر في القرى، حسب قربها من مركز الزلزال، ونوعية البناء أو حتى العوامل الطبوغرافية وغيرها المرتبطة بطبيعة التربة.

وبالنسبة له "إذا كانت إعادة البناء التقليدية تعني إعادة البناء بنفس الطريقة تمامًا، فإننا نتناول الموضوع الخطأ لأننا لم نعد في نفس نمط البناء الذاتي الجماعي؛ لم تعد أنماط الإنتاج هي نفسها تمامًا". وشدد على أن "أنماط الحياة تطورت أيضاً، لكن يجب علينا أن نستمد الإلهام من هذا التراث وهذه الثقافات ومعرفة الأجداد، من خلال دراسة التقنيات وفهمها وتحديثها"، وواصل "اليوم، سيكون من التناقض استخدام مواد خارجية، ولكن من التناقض أيضًا أن ننظر إلى الوراء من خلال تطبيق هندسة تقليدية غير محسّنة" ويرى كريم الرويسي، أن البناء "يجب أن يكون بين اثنين ما سيجعل المشروع ناجحا".

"اليوم، وفي جميع أنحاء العالم، نحاول استخدام مواد طبيعية من مصادر حيوية، من نفس موقع البناء، وهو ما لا يعني بالضرورة حدوث تحول أو بصمة كربونية عالية. ويمكن أيضًا تصنيع هذه العناصر لتسهيل البناء، وجعله أسرع، دون الحاجة إلى الكثير من العمالة كما كان الحال في الماضي، مع تشييد منشآت متينة ومقاومة للزلازل قادرة على توفير ظروف حياة جيدة، خاصة فيما يتعلق بالعزل، والجانب الجمالي".

كريم الرويسي، مهندس معماري

ويؤكد المهندس المعماري أيضًا على أهمية "التفكير في المواد الموجودة، وكيفية البناء بسرعة من خلال تحديثها باستخدام التقنيات المستخدمة في المغرب". وواصل "السؤال هو كيف يمكننا، باستخدام هذه العناصر التي أصبحت رائجة في البناء بالنسبة للأثرياء، إنشاء منزل لأكبر عدد من الأشخاص، بجودة جيدة ولكن بتكلفة أقل"، وقال "هذا هو السؤال الذي يجب أن نجيب عليه".

وفيما يتعلق باستخدام الخرسانة المسلحة، وهو الأمر الذي تحدث عنه متخصصون آخرون، يشير كريم الرويسي إلى أن هذه المادة "تحظى بتغطية إعلامية جيدة، كونها رمزا للحداثة". "لقد تم وصفها منذ فترة طويلة بأنها أقوى المواد. ومع ذلك، لا يوجد شيء اسمه مادة سيئة أو جيدة. لا يوجد سوى المواد التي يمكن استخدامها بشكل جيد أو سيئ". وقال إن "سوء استخدام الخرسانة المسلحة لم يمنع وقوع الكوارث"، وأكد أن "البناء عالي الجودة، بالتراب أو الحجر، ممكن أيضًا عند احترام الوصفات الفنية ومعايير السلامة".

احترام المعايير الجمالية

وأكد المهندس المعماري عبد الرحيم قاسو، الذي زار أيضًا المناطق المتضررة، ليابلادي على أهمية التمييز بين مسألة المعالم التاريخية في الموقع ومسألة الإنشاءات المحلية، "في منطقة تضررت إلى حد كبير بسبب البناء السيء".

"عندما نتحدث عن الهندسة المعمارية بالمواد التقليدية - وليس بالضرورة العمارة التقليدية - فإن هناك طريقة لتحسين البناء لجعله أكثر كفاءة، خاصة على المستوى الهيكلي، مع استخدام مواد البناء المحلية. لدينا مجال كبير للتقدم في الحصول على أبنية مقاومة أفضل".

عبد الرحيم قاسو، مهندس معماري

 وأشار إلى أنه لا يؤيد، من بين أمور أخرى، فكرة "استخدام الخرسانة وتغليفها بمواد محلية، لأن ذلك ينقل فكرة أن العمارة بدون هيكل خرساني لن تكون صلبة، وهو أمر خاطئ، بل وأكثر من ذلك بالنسبة للآثار". وفي هذا الصدد، يشير إلى أنه منذ عام 2013، وضع المرسومان 2.12.682 االمتعلق بالبناء المضاد للزلازل و 2.12.666 المتعلق بالموافقة على ضابط البناء المضاد للزلزال المطبق على المباني المنجزة بالطين، إطارا معياريا في هذا المجال، مما يشير إلى إمكانية استخدام مواد محلية، أثناء تشييد المباني المقاومة للزلازل.

ويؤكد عبد الرحيم قاسو أن "الفكرة لا تتمثل في إعادة البناء كما كان من قبل، بل في استلهام ذلك من خلال توفير التقنيات التي من شأنها أن تجعل هذه المباني أكثر كفاءة". حاليا، يتم طرح هذا السؤال في الحوز، في ظل المأساة التي شهدتها المنطقة، لكنه السؤال المطروح بشكل عام هو "كيفية البناء في الجبال أو الواحات، بحسب المهندس المعماري". وأضاف "هناك طرق لتعلم الدروس لتحسين قطاعي البناء والتشييد، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على مناطق أخرى من البلاد، لأن ذلك سيسمح بإعادة الإعمار وتحسين جودة العمل".

وفيما يتعلق بموضوع احترام الخصوصيات المحلية، ليس فقط على مستوى التراث، بل أيضا فيما يتعلق بأنماط الحياة ومراعاة هذا البعد في إعادة الإعمار، يؤكد كريم الرويسي أيضا أنه في هذه المرحلة "لا يمكننا الحديث عن نقل القرى" وقال "لا يجب أن نقوم بتهجير السكان بالقوة، فلهم الحق في اختيار مكان سكنهم".

وشدد المهندس المعماري على ضرورة أن يستقر السكان في نفس مناطقهم ودواويرهم، أرض أجدادهم وعاداتهم وروابطهم الثقافية. وأنهى حديثه قائلا "السكان المحليين في هذه القرى هم الذين يديرون هذه الأراضي بشكل يومي ويحرثونها. هذا جزء من تراثنا غير المادي ولا يمكننا ببساطة أن نأمر الناس بمغادرة مناطقهم المأهولة بهذه الطريقة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال