ولد مصطفى زيم في جينيفيلييه، من أبوين مغربيين هاجرا إلى فرنسا في الستينيات، وترعرع داخل أسرة مكونة من ثلاثة أشقاء وشقيقتين، وأب يشتغل في مجال البناء. منذ سن الطفولة ربطته علاقة قوية، مع والدته، التي كانت تعاني من ضعف الكلى. وقال مصطفى خلال حديثه مع موقع يابلادي "كانت والدتي مريضة للغاية وهو الأمر الذي جعلها طريحة الفراش. لطالما كانت صحتها تقلقني، كنت دائمًا أعيش مع إحساس الخوف من فقدانها. كنت أقول مع نفسي، إذا فارقتنا، سيقوم والدي بإرسالي أنا وإخوتي إلى أرض الوطن. كنت قريبًا جدًا منها وأعتني بها كل يوم. كان مرضها مصدر حنان قلبها، كانت بمثابة حب".
ويرى مصطفى زيم أنه بفضل وجود أم محبة وأب يعمل بجد، لم يتجه هو وإخوته إلى طريق الانحراف. وقال "كان والدي ذلك الشخص الحازم والمنضبط، وغرس فينا فكرة أن الدراسة والعمل ستخرجاننا من الفضاء السكني الذي كنا نعيش وسطه" مشيرا إلى أن السياق الاجتماعي والاقتصادي لطفولته يختلف عن السياق الحالي. واسترجع تلك الذكريات قائلا "كان يسكن في الحي ما يقرب من 70٪ من العائلات الفرنسية غير المهاجرة. عشنا مع بعض العائلات من شمال إفريقيا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وبولندا... كنا أيضًا أسرًا تعمل بكامل طاقتها. في ذلك الوقت، كان بإمكان شخص واحد عامل إعالة أسرة مكونة من أربعة أطفال دون أن يعاني من الفقر". وبحسبه فإن "كل هذه الجوانب تجعل من العيش معا في الحي، أمرا ممكنا، عشنا مع جيران من أصول مختلفة وكنا جميعا قريبين من بعضنا البعض".
وبدأت العائلات غير المهاجرة تغادر الحي بشكل تدريجي من أجل الانتقال إلى الشقق التي قاموا بشرائها. ويتذكر مصطفى زيم، أنه منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بدأت تداعيات أزمة النفط، مع ارتفاع معدلات البطالة والاستعانة بعمال جدد من خلفية مهاجرة، ولكن غير مستقرة. وقال "عندما كنت في الخامسة عشرة والسادسة عشر من عمري، كنت شاهدا على إدخال المخدرات إلى الحي، وبداية الانحراف، وبداية التبشير الذي سلط الضوء على المسألة الدينية، منذ التسعينيات". ومع ذلك تمكن مصطفى من مواصلة تعليمه دون صعوبة. وبعد حصوله على شهادة البكالوريا، التحق بالجامعة حيث حصل على DESS في المالية. خلال هذه الرحلة، كان عليه دفع تكاليف دراسته بنفسه.
كنت أعمل في مواقع البناء مع والدي، كل يوم سبت وأثناء العطل، لأحصل على مصروف الجيب. لذلك كنت أتردد على عالم العمل وتعرفت على وجهة نظر الآخرين حول هؤلاء الأشخاص" عملي هناك ساعدني على دفع تكاليف دراستي، ووسائل النقل. عليك أن تصمد عندما تكون ابنًا لعامل، إذ أنه من الممكن تحقيق المبتغى، لكن الطريق سيكون طويلًا".
مسار في عالم المال
بمجرد تخرجه، عمل مصطفى في الشركات الصغيرة والمتوسطة في المحاسبة والإدارة المالية، قبل أن يتوجه إلى دبي في عام 1996، نيابة عن موزع حصري للمنتجات الفرنسية الفاخرة في الشرق الأوسط. وقال "على عكس ما اعتقدت، لم تكن ثقافتي العربية ميزة إضافية، لأنني لا أتحدثها. لقد غادرت محبطًا بعد عام، لكنني تمكنت بسرعة من دمج مجموعات ذات بعد الدولي، حيث أصبحت مديرًا ماليًا ثنائي اللغة".
وطور مساره داخل الشركات الدولية، وقال إنه فخور بتعاونه في البيئة المهنية الأنجلو ساكسونية، "حيث لا نطرح مطلقًا مسألة أصول المديرين التنفيذيين أو الموظفين أو الشركاء".
وقال "على عكس ما هو موجود، في العالم المهني بفرنسا، عندما تكون من أصول مهاجرة، تطورت في نموذج مصغر يسلط الضوء على الكفاءة التي يمكنك تقديمها إلى الشركة، دون أي اعتبار لأي شيء آخر" .
بالإضافة إلى تكوينه المهني، كان مصطفى زم متحمسًا للكلمات منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره. ويحكي أن شقيقه الأكبر سلمه غيتارًا وعلى عكس أصدقائه المهتمين بجيمي هندريكس، فقد وضع نصب عينيه جورج براسينز وكلود نوغارو وجاك بريل.
"لقد استمتعت باللعب بالكلمات من خلال الأغاني، مما كان عليه مفعول السحر علي. أمتلك موهبة خاصة أيضًا لحفظ ذكريات الطفولة والحكايات والتفاصيل الماضية، فأنا أعتبر خزانة أرشيف عائلية. لذلك قررت أن أضع كل شيء على الورق ... يوجد سحر في الكلمات، يتحول إلى نشوة في الكتابة".
مصطفى زيم
في ماي 2020، تغيرت حياة مصطفى. تسبب حادث خطير للغاية في دخوله في غيبوبة وأصيب بعد ذلك مصطفى بـ"متلازمة عدم التصفية". وقال "طُردت من وظيفتي، تغيرت حياتي رأسا على عقب...، كان علي أن أتسلق المنحدر من جديد، وبدأت بالكتابة من أجل استئناف ما كنت قد بدأت بالفعل في كتابته قبل وقوع الحادث".
حياة جديدة مع الكتابة
بالعودة إلى روايته "Les pas perdus"، يخبرنا مصطفى زيم أنه بعد الحادث، اتخذت الكتابة بُعدًا جديدًا تمامًا من التأمل الذاتي في حياته، وساعدته على فهم الأشياء بشكل أفضل، "لقد فهمت أنني بنيت حياة من خلال عيون الآخرين أكثر من ما يخبرني به قلبي. لطالما كان أخي رشدي هو المتمرّد، الذي يستمع إلى شغفه".
"لقد أثر هذا الحادث على أخي. هو قريب من عائلته، لكن كل واحد منا بنى حياته على مدار العشرين عامًا الماضية. بعد هذا الحادث، كان لدي إعاقة غير مرئية تجعلك تصبح وحشًا شرسًا، لكن هذا ما فهمه أخي. اقترب مني بينما كان الجميع يفرون مني. رافقني في جميع استشاراتي. أصبحنا أطفالًا مرة أخرى، نستمتع بالوقت الذي نقضيه معًا ونشارك بقية حياتنا.
مصطفى زيم
خلال فترة النقاهة هذه، أخبر رشدي زيم شقيقه بفكرة الفيلم "أخبرني أنه سيكتب سيناريو عن رجل سيعاني من إصابة في الدماغ. لم ندخل في تفاصيل أكثر، لكنه كتبه خلال المرحلة التي كنت أتعافى فيها. وبمجرد أن قرأت السيناريو، عرفت أنها قصتي، ولكنها أيضًا قصته، تكريماً للعائلة" من هنا نشأت فكرة فيلم " Les Miens". وتابع مصطفى حديثه قائلا "خلال العرض الخاص، شاهدت الفيلم باكيا، من أول مشهد إلى آخر مشهد. كنت أشاهد قصتي، شاهدت سنتين من معاناة مصطفى [قام بتجسيد الدور سامي بوعجيلة]. أخذت أخي بين ذراعي وقلت له ببساطة: شكرًا".
وبعد الحادثة التي تعرض لها وبنائه حياة جديدة، تعلم مصطفى أهمية "الاستماع إلى قلبك لتكون نفسك". وقال "منذ إصدار الفيلم والكتاب، عشت لحظات غير عادية في فرنسا والمغرب، حيث أدركت سعادة التواجد هناك. عندما شاهد الناس فيلم أخي وحضرت في النهاية لمناقشته، كانوا ينظرون إلى نظرة شفقة، لكنني كنت أخبرهم أنني في غاية السعادة" ومؤخرا، استلهمت الرسامة كريستيل ديلورم فكرة لوحتها من هذه القصة.
"دائما ما كنت أسمع صوتا يخبرني أن أكتب وهو ما قمت به بالفعل، حينها أدركت أن هذا هو ما كنت أرغب دائمًا في القيام به"
مصطفى زيم
وخلص مصطفى قائلا "بدلاً من الشعور بالأسف على نفسي، أردت أن آخذ الأشياء من الجانب الروحي. أرادت الحياة أن تخبرني مرة واحدة وإلى الأبد أنني يجب أن أتوقف عن القيام بعمل لم أكن متحمسًا له وألا أعيش حياة ليست لي. كنت بحاجة إلى شيء يحفزني. هكذا أفسر ما حدث لي". وبعد أن أحب الكتابة، شرع الآن في عمل ثانٍ مستوحى من الخيال الذاتي، بالإضافة إلى عمل ثالث.