في سنوات الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، عانى اليهود في أوروبا من استهدافهم وتقتيلهم من قبل الحزب النازي الألماني بقيادة أدولف هتلر، وبعد تمكن النازية من هزيمة فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1940، سنت حكومة فيشي الفرنسية الموالية لهتلر قوانين معادية لليهود أيضا.
آنذاك كان المغرب يرزخ تحت الاستعمار الفرنسي، ورفض السلطان محمد الخامس إملاءات الحكومة الفرنسية بتسليم اليهود، واطهادهم، ما جعل المملكة قبلة لليهود الفارين من أوروبا.
هيلين كازيس بنعطار.. مغربية أنقذت آلاف اليهود
في ظل حرص الملك محمد السادس على معاملة جميع المغاربة على قدم المساواة بغض النظر عن ديانتهم، وجدت المحامية اليهودية المغربية والناشطة الاجتماعية هيلين كازيس بن عطار جوا ملائما من أجل مساعدة اليهود الفارين من جحيم معسكرات النازية.
ولدت هيلين كازيس بن عطار، بطنجة عام 1898، وانتقلت عام 1917، مع عائلتها إلى الدار البيضاء، وكانت من أوائل المغربيات اللائي حصلن على شهادة الباكالوريا، وفي سن الثانية والعشرين، تزوجت من موسى بن عطار، وهو رجل أعمال وناشط معروف، ودرست القانون في جامعة بوردو بفرنسا، وحصلت على شهادة الإجازة في الحقوق لتصبح أول محامية في المغرب.
وبعد وفاة زوجها سنة 1939، قررت المزاوجة بين عملها كمحامية، والعمل من داخل المجتمع المدني للدفاع عن أبناء طائفتها، وكانت من بين مؤسسي منظمة الدار البيضاء الصهيونية الدولية للمرأة (WIZO) وشغلت منصب رئيستها.
وفي سنة 1940، ومع هزيمة فرنسا وانتصار النازية، كثفت تحركاتها من أجل مساعدة اليهود، وبحسب صحيفة "يدعوت أحرنوت" العبرية، فقد اهتمت "بكل التفاصيل وتأكدت من حصول اللاجئين على كل ما يحتاجون إليه من طعام، وملابس، ورعاية طبية، والعثور على عمل ومكان للعيش. وحولت قاعة في الدار البيضاء إلى ملجأ للاجئين، وحشدت الأصدقاء وأفراد المجتمع لفتح أبوابهم لهم".
وانضمت بن عطار إلى جماعة سرية مناهضة لحكومة فيشي تشكلت في المغرب في يوليوز 1940. وفي تحد لشرطة فيشي، وزع أعضاء هذه المنظمة، المعروفة باسم مجموعة مينجين Mengin ، منشورات مؤيدة للحلفاء وأرسلوا معلومات استخبارية عن حركة السفن عبر مضيق جبل طارق.
وداهمت الشرطة الفرنسية مكتب المحامية بن عطار مرارًا وتكرارًا، ولكن لم يتم العثور على أي دلائل في مكتبها. وفي يوليو 1942 ، تعرضت مجموعة Mengin للخيانة واعتقل بعض أعضائها وتعرضوا للتعذيب، واعتقلت بن عطار غير أنها تمكنت من الفرار من السجن بفضل شبكة علاقاتها الواسعة.
خدمات كبيرة لليهود.. واسم منسي
وعملت على إنشاء مؤسسة وآلية مالية لدعم مهمة الإنقاذ، و"أسست لجنة لمساعدة اللاجئين الأجانب وقادتها بمهارة كبيرة". وبحسب ذات المصدر فقد "عملت اللجنة كمنظمة جامعة تتعامل مع كل ما يتعلق باللاجئين".
كما عملت على إطلاق سراح المعتقلين من معسكرات العمل في الصحراء على الحدود المغربية الجزائرية، حيث سُجن اللاجئون الذين سُمح لهم بدخول المغرب في ظروف قاسية.
كما عملت على "الحصول على تصاريح الهجرة إلى الولايات المتحدة أو أمريكا الجنوبية للاجئين، وقامت بتهريب أولئك الذين يمكنهم الفرار إلى جزيرة المارتينيك لمنع نقلهم إلى معسكرات الاعتقال. بالنسبة لأولئك الذين بقوا في المغرب، حاولت دمجهم في العمل لمنع طردهم".
وساهمت هذه المحامية أيضا في هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل، كما كانت أيضًا ناشطة في هجرة اليهود من سوريا ولبنان .
وتشير "يدعوت أحرنوت" إلى أن المغرب أصبح آنذاك "ملاذاً للاجئين من أوروبا، ومعظمهم من اليهود"، وتابعت أنه بفضل جهود هيلين كازيس بن عطار، "تم إنقاذ ما يقرب من 60 ألف لاجئ".
وفي سنة 1943، التقت بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بمراكش، و"أعرب لها عن تقديره لعملها في إنقاذ الآخرين". وفي سنة 1953، سافرت إلى الولايات المتحدة في جولة لمدة ثلاثة أشهر وألقت العديد من المحاضرات وجمعت التبرعات لصالح إسرائيل.
وفي سنة 1954 عادت إلى عملها كمحامية، بالدار البيضاء، لتقرر بعد ذلك الاستقرار في فرنسا عام 1962، وشاركت في تأسيس جمعية اليهود المغاربة في باريس وشغلت منصب رئيسها. وفي ديسمبر 1967، زارت إسرائيل للمرة الأولى والوحيدة واستقبلت بحفاوة كبيرة.
توفيت هيلين كازيس بن عطار، في 7 يوليوز 1979 عن عمر يناهز الثمانين عامًا في منزلها بباريس.
ورغم أنها نذرت حياتها لساعدة اليهود الفارين من النازية، إلا أن اسمها ظل غير معروف، مقارنة بشخصيات يهودية أخرى حاربت النازية.