القائمة

أرشيف

رمضان في التاريخ #27: عندما توغل الجنود المغاربة في هضبة الجولان وتركهم حافظ الأسد لمصيرهم وأنقذهم صدام حسين

في رمضان سنة 1973، شن العرب بشكل مفاجئ رابع حروبهم على إسرائيل، وشارك المغرب في هذه الحرب على الجبهتين المصرية والسورية، ونجحت الجيوش العربية في تكسير أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية ودعمت الدولة العبرية بعدما بدأ جيشها في الانهيار.

نشر
DR
مدة القراءة: 8'

كان يوم السبت الموافق للسادس من أكتوبر 1973 للميلاد، العاشر من رمضان 1393 للهجرة، شاهدا على تحطيم الجنود العرب ومن بينهم المغاربة، لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والذي تغلب على الجيوش العربية سنوات 1948 و1956 و1967.

ففي الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة سنة 1967، انهزمت الجيوش العربية، وسقطت سيناء وغزة والجولان بيد إسرائيل، وتبعتها الضفة الغربية والقدس.

وبعد ذلك بدأت الاستعدادات على الجبهة السورية والمصرية للتحضير لحرب جديدة من أجل استرجاع الأرض التي تسيطر عليها الدولة العبرية، المدعومة بقوة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي 29 غشت من سنة 1967 اجتمع العرب في العاصمة السودانية الخرطوم، وأصر القادة العرب خلال القمة على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاث: "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل".

وفي شهر أبريل من سنة 1973، أي قبل ستة أشهر من الحرب، أرسل العراق إلى مصر نحو 20 طائرة من طراز "هوكر هنتر" البريطانية مع طياريها، وشرع الرئيس المصري أنور السادات في بعث مسؤوليه إلى الدول العربية من بينها المغرب من أجل الحصول على الدعم.

الحسن الثاني ومواجهة إسرائيل

وفي كتاب "مذكرات حرب أكتوبر" لصاحبه الفريق سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي (1 أبريل 1922 - 10 فبراير 2011)، وهو قائد عسكري مصري، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 دجنبر 1973، تطرق لتفاصيل تنقلاته ولقاءاته بزعماء الدول العربية استعدادا لمواجهة إسرائيل في حرب جديدة.

وحكى الشاذلي الذي يعتبر مهندس حرب أكتوبر ضد إسرائيل، عن لقائه بالحسن الثاني وقال:

"قابلت جلالة الملك الحسن الثاني في الرباط في 9 فبراير 1972، وكانت إجراءات ومظاهر المقابلة مثيرة للغاية (...)، حضر مقابلتي مع الملك الجنرال أوفقير ورئيس الديوان الملكي. أنصت الملك إلى كلامي ثم علق في النهاية "إن القوات المسلحة المغربية جميعها تحت تصرفك إن كل فرد في المغرب سوف يكون سعيدا عندما يرى قواتنا المسلحة تقاتل من أجل القضية العربية". قلت "يا صاحب الجلالة قبل أن أحضر إلى هنا كانت لدي فكرة عامة عن القوات المغربية من حيث الحجم والتنظيم، وأني أود أن تتاح الفرصة لزيارة تلك الوحدات للتعرف على مستواها التدريبي وقدراتها القتالية"، قال الملك واعتبارا من باكر يمكنك أن تزور أية وحدة ترغب في زيارتها. وبعد أن تنتهي من زياراتك كلها تعال لمقابلتي مرة أخرى وقل لي ماذا تريد"، ثم أضاف قائلا "لا تشغل نفسك طوال الوقت وحاول أن توفر بعض الوقت لكي تزور بلادنا".

وقبل بداية الحرب بحوالي 20 يوما، عاد الشاذلي إلى المغرب، وجاء في المذكرات الطويلة والتي وصلت إلى 550 صفحة:

"غادرت الجزائر إلى المغرب بعد ظهر يوم 17 من شتنبر، ووصلت الدار البيضاء ليلا حيث كان السفير المصري في انتظاري. انطلقنا من الدار البيضاء إلى الرباط حيث كان في انتظارنا الكولونيل الدليمي وتناولنا معه العشاء في منزله، وفي أُثناء تناول العشاء أخبرت الكولونيل الدليمي بأني قادم لمقابلة الملك في مهمة سرية وعاجلة، ورجوت أن تتم الزيارة بعيدا عن وسائل الإعلام، والمظاهر البروتوكولية".

وأوضح الشاذلي أنه أخبر الملك بقرار الحرب دون ذكر التاريخ "وسألته إذا كان يستطيع أن يخصص وحدات إضافية لتدعيم الجبهة المصرية. وهنا أجاب "يا أخ الشاذلي إن ما سمعته منك الآن من أخبار هو أفضل ما سمعت طوال حياتي. أنا سعيد بأن أسمع إننا –نحن العرب- سوف نتحدى عدونا وسوف نتخلص من الموقف المهين الذي نحن فيه. إننا سوف نشارك في المعركة بقوات أكثر من القوات التي وعدت بها في لقائنا السابق. أنت تعلم إننا أرسلنا لواء دبابات إلى سوريا ولكننا على استعداد لإرسال لواء مشاة آخر إلى الجبهة المصرية".

واقترح الشاذلي بعد ذلك على الملك الحسن الثاني أن يتم تجهيز اللواء خلال 7 إلى 10 أيام وأن يغادر المغرب في أول أكتوبر، ولكن الملك عقب قائلا بحسب ما جاء في المذكرات "إننا سوف نحتاج وقتا أطول لإعادة تنظيمه وتجهيزه، ثم إننا نحب أن نمنح الضباط والجنود إجازات ليزوروا فيها أهلهم قبل السفر، وسوف يدخل علينا رمضان بعد أيام، لذلك فإنني أفضل أن يقضي اللواء هذا شهر رمضان وعيد الفطر ويكون جاهزا للترحيل في النصف الثاني من نونبر". وأكد العسكري المصري أنه لم يحاول الإصرار على ميعاد أقرب من ذلك "حتى لا أكشكف يوم بدء القتال".

وبخصوص الجبهة السورية فقد جاء في جريدة "الأهرام" المصرية أن المغرب كان له لواء مشاة فى هناك يعرف باسم "التجريدة المغربية"، وقد وضع هذا اللواء فى الجولان وشارك فى الحرب، كما أرسل المغرب بحسب نفس المصدر 11000 جندى للقتال رفقة الجيش العربى السورى مدعوماً بـ 52 طائرة حربية 40 منها من طراز f5 و 12 من طراز mig بالإضافة إلى 30 دبابة.

بداية الحرب

وفي السادس من شهر أكتوبر من سنة 1973، الذي وافق آنذاك للعاشر من رمضان، فاجأ العرب إسرائيل بشنهم الحرب الرابعة ضدها

وعقب بداية الهجوم حققت الجيوش العربية إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية والقوات المتحالفة معها قناة السويس بنجاح وحطمت حصون الجيش الاسرائيلي وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية والقوات العربية الأخرى من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

وفي 12 أكتوبر1973، أي بعد 6 أيام من بدء الحرب، استغاثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بأميركا التي أقامت جسرا جويا غير مسبوق في تاريخها لنقل أسلحة متطورة إلى إسرائيل، بينما كان القتال مستمرا لتجنب ما وصفه وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر بالكارثة.

ومع اقتراب نهاية الحرب (26 أكتوبر) انتعش الجيش الإسرائيلي فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسب استراتيجية سواء باحتلال مدينتي الإسماعيلية أو السويس أو رد القوات المصرية للضفة الغربية مرة أخرى، أما على الجبهة السورية فتمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها مرة أخرى.

دور الجنود المغاربة

وبلغ عدد جنود التجريدة المغربية في سوريا بحسب ما نشرت جريدة "الأهرام" المصرية ستة آلاف مقاتل مع عدة دبابات ومدفعية ومدرعات قتالية.

وكانت الكتيبة المغربية مدربة جيدا، وتضم خيرة ضباط وجنود المدفعية المغربية الذين كان أغلبهم من ثكنة قصر السوق سابقا (الرشيدية حاليا) ومن "مدرسة الدار البيضاء" بمكناس. وكانت تلك التجريدة المغربية تحت إمرة الجنرال الراحل عبد السلام الصفريوى.

وبحسب الجريدة المصرية فقد لعبت التجريدة المغربية دورا حاسما في حرب أكتوبر 1973 من خلال تحرير أجزاء مهمة من هضبة الجولان مع وحدات عراقية، وتمكنت لوحدها من تحرير جبل الشيخ الإستراتيجى المطل على دمشق وتل أبيب.

وكان مفروضا أن تحمي طائرات الميغ السوفياتية الصنع التي كان يتوفر عليها الجيش العربي السوري، هذا النصر الذي حققه المغاربة، من خلال توفير غطاء جوي لهم، غير أن الطائرات الوحيدة التي بدأت في التحليق فوق رؤوس العسكريين المغاربة كانت الطائرات الإسرائيلية من نوع ميراج الفرنسية الصنع وإف 5 الأمريكية الصنع، وسقط العديد من الشهداء المغاربة، نتيجة القصف الجوي، وتمكن الجيش الاسرائيلي من استعادة جبل الشيخ الاستراتيجي.

ولولا تدخل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لأبيد كامل جنود التجريدة المغربية، حيث أمر سلاح الجو العراقى بتأمين الكتيبة المغربية.

وفي شهادة لجندي أردني يدعى أبو رياض شارك في الحرب ضد إسرائيل سنة 1973 قال "لقد كنا نتقدم بسرعة، لم تستطع النيران الإسرائيلية إيقافنا، حتى إننا في فترة ما لم نعد نرى جنودا ولا آليات إسرائيلية، لقد كان كل المشاركين في المعركة متآلفين ومتقدين، كانوا يقاتلون بكل ما تعلموا وأشبعوا من عقيدة عربية ضد المحتل الصهيوني، لم نكن نريد أن تتكرر مآساة فلسطين".

وأضاف أن جبهة الجولان في سوريا عرفت مشاركة  قوات مغربية كانت تسمى بـ"لواء الدرع" وقوات أردنية وسعودية وعراقية إضافة للقوات السورية، وأكد أن القوات السورية وصلت إلى عمق هضبة الجولان، وإلى سهل الحولة وبحيرة طبريا، ولأسباب غير معروفة حتى الآن جاءت الأوامر للقوات المتقدمة بالتراجع.

وزاد قائلا "لقد زُج بالقوات المغربية في المقدمة ولم يتسن لها رؤية تراجع القوات السورية، كما أنه لم يتم إبلاغهم بأمر الانسحاب، فتابعوا تقدمهم، فيما انسحبت القوات السورية، وهنا وقعوا في الفخ"، وبعدها أعلن الإعلام السوري أن المقاتلين المغاربة أبطال ليتداركوا الأزمة المحتمل وقوعها بين البلدين.

وتابع أبو رياض قائلا "لقد كنا نتوقف ونسأل الدبابات السورية عن سبب التراجع، بينما تبدو الأرض لنا بالكامل فارغة من القوات والآليات الإسرائيلية، فكانت الإجابة أتتنا أوامر بالانسحاب".

ووصلت القوات المغربية التي كانت معروفة بجاهزيتها وقوتها بحسب ذات المتحدث إلى قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، حين حلقت الطائرات الإسرائيلية وقامت بقصفهم، دون أن يكونوا محميين من الطيران السوري أو القوات السورية، ما أدى إلى استشهاد العشرات منهم.

وبلغ عدد الشهداء المغاربة 170 شهيداً في سوريا وحدها وفق بعض المصادر. وسميت فى العاصمة دمشق ساحة بإسمهم "التجريدة المغريبة" وهى واحدة من أهم الساحات من ضمن مركز المدينة، تكريماً ووفاء لبطولاتهم الشجاعة والنبيلة تجاه السوريين.

وانتهت الحرب رسمياً بالتوقيع على اتفاقيات فك الاشتباك بين جميع الأطراف. وكان من أهم نتائجها تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر التي كان يدعيها القادة العسكريين في إسرائيل.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال