ثار أمازيغ المغرب على حكم بني أمية في المشرق بين سنوات 739-742، بسبب سوء معاملتهم والظلم الذي كان مسلطا عليهم، وولوا أمرهم ميسرة المطغري وهو من زعماء أمازيغ المغرب، وبذلك نشأت إمارة برغواطة على الساحل الأطلسي لبلاد المغرب الحالية.
وبعد مدة قصيرة قتل ميسرة على يد أتباعه في طنجة، إثر ذلك قرر رفيقه طريف بن مالك (744)، التوجه إلى بلاد تمسنا، والخروج عن الإسلام ووضع دين أمازيغي جديد.
يحكي عبد العزيز الثعالبي في كتابه "تاريخ شمال إفريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبية" أن طريف بن مالك (طريف البرغوطي) "ذهب إلى بلاد تامسنا وانقطع بها لوضع الدين وترتيب عقائده وأحكامه، ولما أتم كتابته سلَّمه لابنه صالح وأمر أن يحمل البربر عليه".
وبحسب ما يؤكد كتاب "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب" لأبي عبيد البكري، فإن الأمازيغ في منطقة تامسنا قدموا "طريف على أنفسهم وتولى أمرهم". فيما يشير عبد العزيز الثعالبي في كتابه إلى أن صالح عهد "إلى ابنه إلياس بديانته، وعلَّمه شرائعها وفقَّهه في أحكامها، وأمره ألا يُظهر ذلك إلا إذا قوي وأمن".
وتولى إلياس بعد ذلك الحكم خلفا لوالده، الذي قرر مغادرة البلاد باتجاه المشرق، وكان يظهر بحسب ذات المصدر الإسلام ويُخفي الديانة التي عهد إليه بها أبوه "خوفا وتقية". واستمر حكمه خمسين سنة، وتولى الأمر بعده ولده يونس، فـ"أظهر ديانتهم ودعا إليها، وقتل في سبيل نشرها خلقا كثيرا".
صوم رجب والافطار في رمضان
وتتميز المراجع التاريخية التي تتحدث عن ديانة برغواطة بالندرة، فالبعض يصفهم بالمجوس، فيما يرجع البعض الآخر أصولهم إلى اليهود. ويحكي أبو عبيد الله البكري في كتابه كتاب "المسالك والممالك"، أن المعاملات كانت في دولة برغواطة تتم باللغة الأمازيغية، كما أن الصلاة كانت تتم بالأمازيغية، مؤكدا أنهم كانوا يقولون "ابسمن ياكوش مثلاً تعني باسم الله، ومقور ياكوش تعني الله أكبر، وهم كانوا يقرأون نصف قرآنهم في وقوفهم، ونصفه في جلوسهم".
فيما يؤكد عبد العزيز الثعالبي في كتابه أن هذه الديانة كان "أساسها الإقرار بالنبوات والتسليم بنبوة صالح بن طريف ونبوة جميع الذين تولوا الأمر من بعده، وأن الكتاب الذي أخرجه لهم وحي من الله تعالى لا يشكون فيه".
ذات المصدر أكد أنه كان مفروضا عليهم "صوم رجب وحرم صوم رمضان، وأوجب خمس صلوات في اليوم وخمس صلوات في الليلة، والتضحية في اليوم الحادي عشر من المحرم". كما فرض عليهم أيضا "صيام يوم من كل جمعة وصيام الجمعة الأخرى التي تليه أبدا، وليس عندهم في الصلاة آذان ولا إقامة".
وجاء في كتاب "الاستقصا لاخبار دول المغرب الاقصي"، لصاحبه ، أحمد بن خالد الناصري "كَانَ الضلال الَّذِي شرع لَهُم أَنهم يقرونَ بنبوته وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شهر رَجَب ويأكلون شهر رَمَضَان وَفرض عَلَيْهِم عشر صلوَات خمْسا بِاللَّيْلِ وخمسا بِالنَّهَارِ وَأَن الْأُضْحِية وَاجِبَة على كل شخص فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم وَشرع لَهُم فِي الْوضُوء غسل السُّرَّة والخاصرتين وَأمرهمْ أَن لَا يغتسلوا من جَنَابَة إِلَّا من حرَام وصلاتهم إِيمَاء لَا سُجُود فِيهَا".
وبحسب كتاب "تاريخ دولة الأندلس"، لإيناس محمد البهيجي، فقد شرع صالح بن طريف "لأتباعه صوم رجب وأكل رمضان...، وأباح لهم تزوج النساء فوق الأربع، وأباح لهم الطلاق، وحرم عليهم زواج بنت العم، وزواج المسلمات، كذلك شرع قتل السارق، ورجم الزاني".
وكان "قرآن" البرغواطيين الذي دعا "إليه صالح بن طريف مشتملا على 80 سورة؛ أكثرها منسوب إلى أسماء الأنبياء المعروفين من لدن آدم، أولها سورة أيوب، وآخرها سورة يونس.. وفيه سور أخرى بأسماء الحيوانات..ومن عقائدهم الإيمان بالعلم العظيم وليس بعده شيء".
وحرم صالح في قرآنه أكل البيض والديك أيضا، لأن الديك كان يعتبر مؤذنهم، ولا زال الكثير من المغاربة يعتبرون الديك مؤذنا في زماننا الحالي.
وبعد قيام دولة المرابطين المالكية المذهب، اتجه مؤسسها عبد الله بن ياسين إلى القضاء على متبعي الديانات والمذاهب الأخرى في بلاد المغرب، لكنه فشل في القضاء على دولة برغواطة، إلى أن وافته المنية.
وسار خليفته أبو بكر اللمتوني على نهجه، وتمكن من القضاء على دولة برغواطة. ويشير الرحالة المغربي "الحسن الوزان" المعروف بليون الإفريقي إلى أن ضحايا حملة المرابطين بلغ عددهم مليونا، وأنه تم تدمير 40 مدينة، وهو ما مهد لنهاية الدولة البرغواطية على يد الدولة الموحدية سنة 1148.