وأنا أقبل هذه الملاحظات، وأعترف بخطأ إلحاق الشيباني بمجلس الإرشاد، لكن هذا لا ينفي عن السيد عبد الله موقعه القيادي في الجماعة وفي الأمانة العامة لدائرتها السياسية، هذا فضلا عن مصاهرته للمرشد، وهذا الأمر له وزنه في صفوف مريدي الجماعة، مما يجعل لرأي صاحبه وزنا وتأثيرا في الداخل والخارج.
اعتراضي ليس منصبا على انتقاد السيد الشيباني لمشاركة حزب المصباح في الحكومة، ولا على علاقة بنكيران بالسلطة أو المخزن وملاحظات العدل والإحسان عليها، ولا حتى على تحفظ هذه الأخيرة على مبدأ المشاركة واختيار المقاطعة نهجا يمهد للقومة أو الثورة. كل هذه أفكار ومذاهب ومناهج في العمل السياسي قديمة تتجدد في كل مرحلة من التاريخ البشري، ومن حق أصحابها أن يرفعوا لواءها في كل وقت وحين.
اعتراضي على رسالة الشيباني ينحصر في ثلاثة أفكار أو أنماط من التفكير والحكم على الأشياء. أولا، شعبوية الخطاب ونهج تبسيط المشاكل المعقدة، وذلك واضح وضوح الشمس في دعوة الشيباني لبنكيران إلى مطالبة الملك محمد السادس بإرجاع أموال والده إلى الشعب، كما طالب عبد السلام ياسين بذلك من قبل. هل هذا الأمر سيحل مشاكل المغرب الاقتصادية -على فرض أننا اتفقنا على مصادرة أموال العائلة الملكية هكذا بجرة قلم وكأننا في غابة لا قانون فيها ولا قضاء- فحجم الثروة الملكية، حسب تقديرات مجلة فوربيس الأمريكية المتخصصة في إحصاء ثروات الملوك والرؤساء، هو 2,5 مليار دولار، في حين أن مداخيل البلد السنوية في حدود 43,2 مليار دولار. بحسبة أخرى، فإن مجموع ممتلكات الملك هو أقل من نصف المبلغ المالي المخصص لصندوق المقاصة كل سنة.
هل بهذا المبلغ سنحل مشاكل المغرب الاقتصادية وسنوفر مناصب الشغل ونرفع معدل النمو وفرص الاستثمار... أن يطالب الشيباني بفصل السلطة عن البزنس هذا معقول، لكن أن يوهم الخطاب الشعبوي عقول الناس بأن الحلول الناجعة لمشاكلهم المعقدة موجودة فقط في مصادرة أموال الحاكمين، فهذه أوهام، فالذي يريد اليوم أن يدخل إلى ساحة العمل السياسي العام عليه أن يحمل مشروعا وقيمة مضافة، وحلولا واقعية لمشاكل البلاد، لا أن يعطل حاسة التفكير العلمي لدى الناس.
وجه الاعتراض الثاني على مضمون رسالة الشيباني إلى رئيس الحكومة هو محاسبة الوزراء على أدائهم في إدارة الشأن العام بناء على ما إذا كانوا لايزالون يصلون الصبح في المساجد أم لا، وما إذا كانوا لايزالون أوفياء لدكاكين ملابس البال في الجوطية، أم إنهم أصبحوا يلبسون من محلات الموضة العالمية. هنا إشكال كبير في النهج والروية. من يملك ترمومترا لقياس درجة إيمان الأفراد والجماعات؟ من حرم على الناس زينة الله؟ هل الوزير الذي يصلي الصبح في المسجد أفضل من الوزير الذي يصلي في بيته أو لا يصلي الصبح إلا في الثامنة صباحا، أو الوزير الذي لا يدين بدين الإسلام أصلا؟ في بلادنا يهود مغاربة وفي دول عربية أخرى مسيحيون، فهل نحرمهم من حق الوصول إلى الوزارة لأنهم غير مسلمين؟ إذا كان السيد الشيباني لا يتسامح مع من يصلي الصبح خارج المسجد، فكيف يتسامح مع من يدين بدين آخر؟ تقييم الوزراء مبني على الكفاءة والاجتهاد والخبرة والقدرة على الإدارة ونظافة اليد يا أستاذ الشيباني. الربيع العربي، الذي غير الكثير من جغرافية الانغلاق في فكر الحركات الإسلامية، يبدو أنه لم يمر من بيت السيد الشيباني، وهذا ما يبعث على الخوف من المستقبل.
وجه الاعتراض الثالث أن رسالة الشيباني تحرم نهج المشاركة في البرلمان والحكومة والجماعات الحضرية والقروية، وكأن صهر الشيخ ياسين عضو سري في تنظيم السلفية الجهادية، وليس رجلا صوفيا في جماعة لم يعرف عنها تطرف في الفكر أو انغلاق في الفقه، لأن الجماعة نفسها عانت تشدد السلفية الوهابية والإخوانية إزاء نزعتها الصوفية. الذي قاد الشيباني إلى التطرف الفكري تجاه منهج المشاركة في الحكم، هو العدمية السياسية التي يحتمي خلفها بعض من يصلون إلى الباب المسدود في نضالهم السياسي، وعوض أن يراجعوا أنفسهم، ويمتلكوا جرأة النقد الذاتي وفضيلة مصارحة أتباعهم بحقيقة الوضع، يفضلون الهروب إلى الأمام، ومصادرة الواقع عوض مراجعة أفكارهم وخططهم. إنه مرض نقص الواقعية الذي ضرب اليسار الجذري في السبعينات، ويضرب اليوم الكثير من قادة جماعة العدل والإحسان، الذين يعرفون ما لا يريدون لكنهم لا يعرفون الطريق إلى ما يريدون.