التصق اسم الكثير من الأئمة في الدول الإسلامية بصلاة التراويح في رمضان، غير أن من أغرب قصص مشاهير أئمة التراويح يوجد الحبر اليهودي موسى بن ميمون، الذي صلى بالمسلمين.
وتجمع المؤلفات التاريخية على أن موسى بن ميمون بن عبيد الله القرطبي، ولد في قرطبة، بالأندلس سنة 1135، وأن أبوه كان قاضيا في المحاكم الكنسية.
وبعد نهاية حكم المرابطين للأندلس، ودخول الموحدين إلى قرطبة، خير اليهود بين الإسلام أو النفي، فسافرت أسرة ابن ميمون إلى فاس سنة 1159، حيث درس بجامعة القرويين، وجاء في كتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء"، لعلي بن يوسف القفطي إن "ابن ميمون اعتنق الإسلام علانية، وإنه عاش مثل المسلمين؛ فكان يرتل القرآن الكريم ويقيم الصلوات الإسلامية، حتى استتبت له الأمور. ثم ترك الأندلس مع عائلته، مرتحلاً إلى مصر التي كشف فيها هويته اليهودية".
وتصادف توجهه من المغرب إلى المشرق، مع شهر رمضان، وكان يصلي في طريقه بمن كان معه على السفينة صلاة التراويح، حيث أورد المؤرخ ابن شاكر الكتبي، في كتابه "فوات الوفيات"، أن الحبر اليهودي المعروف موسى بن ميمون القرطبي "أسلم بالمغرب مُكْرَهاً أيامَ دولة الموحدين، وحفظ القرآن واشتغل بالفقه؛ ولما قدم بحراً إلى فلسطين سنة 560هـ/1165م من الغرب صلى بمَن في المركب التراويح في شهر رمضان" حين أدركهم أثناء رحلتهم.
وجاء في مجلة "دعوة الحق" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، "وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام، حين استسلم اليهود بعض ملوك المغرب. ! ورحل من الأندلس فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة، في رمضان ! إذ كان يحفظ القرآن".
كشف حقيقته
وانتقل ابن ميمون من فلسطين إلى مصر، وكانت دولة صلاح الدين الأيوبي أكثر تسامحا مع معتنقي الديانات الأخرى، مقارنة بالموحدين، الذين خيروا يهود الأندلس بين النفي أو إعلان إسلامهم، وهناك أعلن أنه يعتنق الدين اليهودي.
وجاء في مجلة دعوة الحق "فلما قدم مصر، وكان ذلك في دولة العبيديين... ! وهم لا يتقيدون بشريعة... ! رجع إلى اليهود وأخبر أنه كان مكرها على الإسلام... ! فقبل منه ذلك... ! وصنف لهم تصانيف، منها كتاب دلالة الحازين، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم...".
وفي مصر، اشتهر موسى بن ميمون أنه من أعظم أطباء زمانه، وتم ضمه إلى أطباء السلطان الأيوبي صلاح الدين، واختير طبيبًا خاصًّا لنور الدين علي أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين.
وعين في الدولة الأيوبية زعيمًا لليهود في القاهرة، ورئيسًا لمجلس الحاخاميين "الطائفة اليهودية" في عام 1177، وحمل على عاتقه حل المسائل الدينية اليهودية، وأوكلت إليه مهمة القيادة والدينية لليهود.
ولابن ميمون العديد من المؤلفات في الفلسفة والطب، ومكنته علاقته الوثيقة بالسلطان الأيوبي صلاح الدين، من إقناعه بالسماح لليهود بالإقامة في القدس بعد تحريرها، وبناء المعابد والمدارس الخاصة بهم، بعدما حظر الصليبيون عليهم الإقامة فيها، أثناء احتلالهم المدينة.
وتوفي موسى بن ميمون سنة 1204 بالقاهرة، ثم حُملت جثته إلى طبرية بفلسطين حيث دُفن هناك بين قبور عظماء بني إسرائيل. وبعد وفاته، تم تشييد معبد موسى بن ميمون، في المكان نفسه الذي أقام فيه ابن ميمون بعد وصوله إلى مصر، ويُعد من أهم وأقدم المعابد اليهودية في العالم.