يصرّ الاتحاد الأوروبي على إغلاق منافذ الهجرة غير النظامية والوقوف في وجه تهريب البشر و"حماية حدوده الخارجية"، وظهر هذا الإصرار مجدداً في قمة الاتحاد التي انعقدت في بروكسل بين الخميس والجمعة من هذا الأسبوع.
اتفق الزعماء الحاضرون على أربعة محاور: تعزيز المراقبة، ومن ذلك الحدود بين بلغاريا وتركيا، ثم تسريعاً أكبر لإجراءات ترحيل من رفضت طلبات لجوئهم أو من لا تنطبق عليهم شروط اللجوء، والتعاون مع شركاء خارج الاتحاد، وتعزيز التضامن بين دول الاتحاد في تدبير عملية انتقال اللاجئين بينها.
وتشير إحصائيات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية إلى تسجيل زيادة بنسبة 64 في المئة خلال عام 2022، فيما يخص عمليات العبور الحدودية المتعلقة بالهجرة غير النظامية، عن العام الذي سبقه، بينما ارتفعت طلبات اللجوء بحوالي 50 في المئة، وذلك بالإضافة إلى استقبال بلدان الاتحاد حوالي أربعة ملايين لاجئ من أوكرانيا.
وما جعل الاتحاد يخرج بقراراته كون جل طلبات اللجوء مؤخراً لا تدخل في إطار الحماية، وإن فقط 22 في المئة ممن تم رفض ملفاتهم تم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية وفق تصريح سابق لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
الجناح المتشدد ربح أعضاء جدد
تدفع عدد من دول الاتحاد إلى مواقف متشددة، منها النمسا التي دعت عبر مستشارها المحافظ كارل نيهامر إلى تمويل الاتحاد سياجاً حدودياً بين بلغاريا وتركيا بقيمة ملياري يورو، بينما تتبنى السويد والدنمارك سياسات متشددة، خصوصا الثانية التي استقبلت أعدادا ضئيلة من اللاجئين.
إيطاليا واحدة من الدول التي تدفع بشدة نحو صرامة أكبر في المراقبة. الحكومة في إيطاليا التي يتزعمها حالياً ائتلاف يميني متشدد بزعامة جيورجيا ميلوني، سبق لها أن شددت من إجراءاتها ضد الهجرة عبر البحر، وضغطت بشدة على المنظمات الإنسانية التي تنقذ المهاجرين في البحر ومنعت عددا من سفنها من الرسو على سواحلها.
المجر وبولندا من الركائز الأساسية داخل المعسكر المتشدد في أوروبا الذي يتبنى مواقف مناهضة لسياسات اللجوء والهجرة. المجر سبق لها بشكل واضح أن أعلنت أنها لن تستقبل أيّ مهاجرين غير نظاميين، كما تمنعهم من طلب اللجوء على أراضيها وقامت بتشييد سياجين مع صربيا لمنعهم من الدخول، بينما تلاحق السلطات البولندية اتهامات بتعامل لا إنساني مع من يحاولون منهم الدخول إلى ترابها.
لكن الجناح المتشدد تعزز ببلدان أخرى. ثمانية دول وقعت رسالة إلى الاتحاد، هي إستونيا واليونان ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وسلوفاكيا، بالإضافة إلى النمسا والدنمرك. وطالب الموقعون بسياسة موحدة للتعامل مع الهجرة غير النظامية، وتضمن البيان الختامي لقمة الاتحاد جلّ المطالب التي جاءت في هذه الرسالة.
ويرى مجدي الكرباعي نائب سابق بالبرلمان التونسي ومهتم بقضايا المهاجرين و البيئة، أن التيار المتشدد ازداد في أوروبا ويجد من السهل رمي المسؤولية على المهاجرين، كأن "مشاكل أوروبا أساسها المهاجرين، بينما يتم إغفال عوامل أخرى منها السياسات الاقتصادية والوضع الدولي وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا"، وذلك في حديثه لـDW عربية.
وتساهم عدة عوامل في انتعاش الخطاب المتشدد تجاه المهاجرين غير النظاميين، من بينها ارتفاع أرقام الظاهرة بسبب الأوضاع السياسية في دول الأصل، خصوصاً إثر الحرب في سوريا وليبيا واستمرار النزاعات في إفريقيا، وهناك أسباب أخرى تخص انتعاش حركات اليمين في أوروبا، وهي حركات تركز على القومية الوطنية في مواجهة المهاجرين ولو كانوا مقيمين بشكل قانوني، فضلاً عن اتهامات لعدد من الدول الأوروبية بعرقلة الهجرة النظامية حتى وإن تعلقت بتأشيرات الدراسة.
الجناح المعتدل في أزمة
اتخذت ألمانيا بدورها سياسات تنحو نحو الصرامة في بعض جوانب الهجرة، خصوصاً محاولة تسريع ترحيل من ترفض طلبات لجوئهم. لكن ألمانيا تحاول من جانب آخر تشجيع الهجرة النظامية خصوصاً هجرة الكفاءات والعمالة الماهرة، وترسل خطابات ودية لهذه الفئة، لا سيما مع النقص الحاد في عدة وظائف في البلاد.
وتحاول برلين عدم الخروج عن خط أوروبا الذي ينحو نحو التشدد في مواجهة الهجرة غير النظامية لكن كذلك تباشر إصلاحات في نظام الهجرة تسهل استقطاب العمال وتسهّل عمليات التجنيس.
فرنسا بدورها لا تريد الخروج عن هذا النهج، لكن تقاليدها كأحد أكبر بلدان الهجرة في أوروبا تجعلها تتبنى مواقف أقل صرامة، وقد انتقدت باريس بشدة قبل أيام قرار إيطاليا برفض استقبال سفينة لإنقاذ المهاجرين، وقررت استقبالهم محلّها، ما أدى إلى مواجهة دبلوماسية بين البلدين.
وشهدت دول أخرى من هذا المعسكر إشكالية كبيرة خلال الأشهر الماضي، بعدما تكدس المهاجرون وطالبو اللجوء أمام مركز التسجيل الوحيد لطالبي اللجوء في العاصمة بروكسل، وبات النظام الإلكتروني لتسجيلهم يعاني مشاكل رقمية كبيرة.
تمر الأشهر وتتكرر المشاهد نفسها في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث يستمر وضع المهاجرين في التدهور من سيء إلى أسوأ. فمنذ نحو عام، يجد معظم المهاجرين الذين يأتون إلى "بوتي شاتو" (Petit-Château) بابه مغلقا، وهو يعتبر مركز التسجيل الوحيد لطالبي اللجوء في البلاد.
ويشير مجدي الكرباعي إلى أن عددا من هذه الدول الأوروبية تقوم منذ مدة بترحيل طالبي اللجوء أو وضعهم في مراكز الاحتجاز المؤقتة دون تمكينهم من المساعدة القانونية في دراسة ملفاتهم، ويضيف أن جل التونسيين في إيطاليا لا يتمتعون بهذه الآلية رغم وجود اعتداءات في تونس ورغم كم التجاوزات الكثيرة في هذه المراكز.
ردود البلدان المغاربية
يفكر الاتحاد الأوروبي في إمكانية أن تتكفل بلدان طرف ثالث (خارج أوروبا) بدراسة ملفات اللجوء، وتشير الأخبار إلى اقتراح دول شمال إفريقيا التي تعدّ أكبر منفذ للهجرة غير النظامية في اتجاه أوروبا. وهو مقترح يدور منذ مدة في دهاليز الاتحاد دون أن يجد طريقاً للتنفيذ.
لكن توسيع الشراكة إلى هذا الحد يبقى أمرا صعبا للغاية، وفق تأكيد الكرباعي، بسبب المشاكل الأمنية والقانونية في بلدان شمال إفريقيا، خصوصا ما يتعلق بتدبير الهجرة، كما "توجد انتقادات حقوقية كبيرة لتعامل السلطات في هذه البلدان مع طالبي اللجوء".
تستقبل إيطاليا الجزء الأكبر ممن يصلون إلى أوروبا في الممر الأوسط للبحر المتوسط، وغالبيتهم قادمون من تونس وليبيا، بينما تستقبل إسبانيا القادمين من الممر الغربي، وغالبيتهم قادمون من المغرب والجزائر، ما يجعل البلدان الأوروبيان يبحثان أكثر عن تعاون ثنائي مع البلدان المغاربية دون المرور بالضرورة عبر مظلة الاتحاد الأوروبي.
واستقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد قبل أيام وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني مع وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، وأكدت روما حينها رغبتها بـ"تقليص الهجرة غير القانونية وتعزيز الهجرة القانونية". كما عزّزت إسبانيا شراكتها مع المغرب في هذا المجال، وسط ازدهار علاقات الطرفين بعد أزمة تدفق خلالها بضعة آلاف من المهاجرين إلى مدينة سبتة.
ويتحدث الكرباعي أن هناك توجهاً لـ"توسيع الحدود الأوروبية" إلى بلدان في القارة الإفريقية، وهو ما نجحت فيه بعض الدول الأوروبية إلى حد كبير بناءً على الاتفاقيات التي أبرمتها مع بلدان جنوب المتوسط، ويوضح أن أوروبا بشكل عام "تريد التخلي عن دورها الإنساني في حماية المهاجرين، وأن تلقي هذه المسؤولية على دول أخرى".
وتنادي أصوات كثيرة في أوروبا بضرورة تغيير مقاربة الهجرة والتركيز أكثر على دعم بلدان الجنوب في التنمية. ويدعم الاتحاد الأوروبي مشاريع كبرى في القارة الإفريقية لأجل خلق فرص العمل وتطوير التعليم وجلب الاستثمار وتحسين ثقافة حقوق الإنسان، غير أن هذا الدعم ترافقه تساؤلات كبيرة حول مآله بسبب عدم وجود تأثير في خفض معدلات الهجرة، وكذلك بحث دول الاتحاد عن حلول آنية لإيقاف تدفق الهجرة غير النظامية.
إسماعيل عزام