ولد نور الدين الدريوش، بمدينة الدار البيضاء، ومنذ صغره وهو شغوف برياضة كرة القدم وكان قدوته في ذلك، عمه اللاعب المغربي الدولي السابق عبد المجيد الظلمي، كما أنه كان شغوفا بكل ما يتعلق بالفلاحة.
وقال نور الدين الذي يقيم الآن في باري بإيطاليا "عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، كنت أقود جرار عمي. أجمل اللحظات التي أمضيتها معه هي تلك التي خصصناها معًا لأرضه الزراعية".
وكانت أسرته تصر على أن يتعلم في المدرسة رفقة إخوته التسعة، وحصل على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبية بتفوق، من ثانوية المصلى بعين الشق، وقال "كنت ضمن الدفعة الثانية بعد التعريب الكامل لنظام التعليم. ومع ذلك، فإن حاجز اللغة لم يكن عقبة بالنسبة لي، وحصلت على مرتبة مكنتني من ولوج معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط".
البحث العلمي في سن مبكرة
خلال دراسته في الهندسة الزراعية، حصل نور الدين الدريوش على مرتبة جيدة، مكنته من الاستفادة بسرعة من التدريب في الخارج، ضمن شراكة كانت تربط مؤسسته بالجامعات الأوروبية.
وأمضى في مونبلييه، ستة أشهر كجزء من إحدى رحلاته الأكاديمية الأولى، وكان شغوفًا بشكل خاص بعالم النباتات والحفاظ عليها.
وكان مؤهلا للحصول على منح التميز، كما أنه كانت لديه إمكانية الحصول على دبلوم مزدوج ، بين مؤسسته ومعهد البحر الأبيض المتوسط الزراعي الذي يوجد مقره في إيطاليا.
وكان المهندس الزراعي نور الدين الدريوش يقوم بدراسة الأمراض التي تهدد النباتات في النظام البيئي الإقليمي، ويحاول ابتكار طرق لحماية التراث الجيني للنباتات الإقليمية.
ورغم أن عمره لم يكن يتجاوز 24 سنة، كلفه معهد البحر الأبيض المتوسط الزراعي، بتوجيه الأبحاث مع فرق من الطلاب.
وبعد ذلك أجرى دراسات أكثر تقدمًا في الكيمياء الحيوية الجيولوجية والإيكولوجيا الزراعية، في المغرب وإيطاليا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، ضمن عمله في إعداد الدكتوراه في العلوم البيئية، مع التركيز على البحر الأبيض المتوسط.
وتركزت ابتكارات الدكتور المغربي على الخصوص في الآليات الطبيعية لتخصيب التربة وحفظ وتسجيل الجينوم، من أجل الحفاظ بشكل أفضل على أنواع البذور والنباتات المحلية.
وقال "آنذاك لم يكن الكثير من الباحثين المغاربة في هذا المجال، وأيضا نفس الأمر في إيطاليا، وفي مثل هذه السن المبكرة. أنا فخور اليوم وأتشرف بثقة أساتذتي، الذين سمحوا لي بتحسين معارفي في وقت مبكر".
"خلال مساري، التقيت بأساتذة طبعوا كل مراحل دراستي، أنا مصمم على مرافقة الطلاب الآخرين، وأنا معتقد بأن شبابنا موهوبون، إذا تم منحهم يد المساعدة. ومنحهم الأدوات التي يحتاجونها للتقدم. من واجبنا أن ننقل المعرفة التي اكتسبناها ونقلها إلينا أسلافنا".
العمل من أجل الحفاظ على الأرض
من خلال الاهتمام بالثروات النباتية للبحر الأبيض المتوسط ودراستها عن كثب، طور نور الدين الدريوش مناهج علمية تجريبية أكثر، وقال "في تدريبي الأساسي كمهندس، كنا نتعلم تبسيط الإجابات والحلول للأسئلة التي تطرأ علينا، وتحويلها إلى مواقف ملموسة، لكن يجب التعامل معها بالتفاعل مع جميع العوامل المحيطة الأخرى، وليس بشكل منفصل".
"هذه هي الطريقة التي تطور بها تفكيري في الإيكولوجيا الزراعية والزراعة، من خلال تنويع الأساليب العلمية وقبل كل شيء من خلال دمج النماذج الأخرى التي تتفاعل مع هذا التخصص. لا يمكن فهم القضايا البيئية بشكل منفصل".
وعلى مدار ثلاثين عامًا، دافع الباحث المغربي عن نهج متعدد التخصصات لتطوير ممارسة زراعية مسؤولة بيئيًا تكون أكثر احترامًا للبيئة. وقال "هذا خطاب علمي لم يرغب صناع القرار السياسي في سماعه إلا قبل سنوات قليلة. نظرًا لأن مشكلة تغير المناخ فرضت نفسها عليهم أخيرًا، بعد عقود من التحذيرات من العلماء، فإن ضرورة إعادة تكييف النشاط الزراعي مع البيئة التي تم إنشاؤها فيها، كما أعتقد، أصبح مسموعًا أكثر فأكثر".
وألف الباحث المغربي العديد من الكتب والمنشورات العلمية ذات المرجعية العالمية. وهو من بين الموقعين على إعلان ابن جرير لكفاءات مغاربة العالم والخبراء في مجال المياه وإدارة الموارد المائية.
وبالنسبة له فإن صانعي السياسات حول العالم "أدركوا أخيرًا أنه لن يكون هناك خيار ثان، طالما أننا نعيش معًا على هذا الكوكب، من واجب كل منا الحفاظ عليه".
وبالإضافة إلى تخصصه العلمي، يصر الدريوش على الحفاظ على علاقاته مع وطنه المغرب، فبالإضافة إلى الزيارات العائلية، يقوم بزيارات فردية يعيد من خلالها اكتشاف البيئات الجبلية الطبيعية في كل مرة، ولا سيما في الأطلس.
كما يركز نور الدين الدريوش في إيطاليا على الأعمال الإنسانية، لدعم الأطفال والشباب في مناطق النزاع حول العالم، وقال "في كل عام، ننظم مباريات كرة القدم والأحداث الترفيهية والرياضية، والتي تتيح لنا جمع الأموال، وإرسال كتب لهؤلاء الأطفال، ما يسمح لهم بالبقاء على اتصال مع المعرفة، حتى في سياقات التوتر. أتأثر كثيرًا عندما أتلقى رسائل من هؤلاء الأطفال ".