الطلبة المغاربة يمثلون أكبر جالية أجنبية في أوكرانيا، إذ يأتي هؤلاء في المركز الثاني في ترتيب الجنسيات الأجنبية الوافدة على هذا البلد للدراسة بعد الطلبة القادمين من الهند، بحسب أرقام رسمية حديثة نشرتها وزارة التعليم الأوكرانية. نحو أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة من المغرب يدرسون في مختلف الجامعات الأوكرانية، أغلبهم أجلتهم السلطات المغربية وعادوا إلى وطنهم على إثر الغزو الروسي.
طلبة مغاربة كثر عادوا من أوكرانيا ويعيشون الآن وسط عائلاتهم، لكن تحت ضغوط نفسية كبيرة بسبب الخوف والقلق على مستقبلهم الدراسي وسنوات من تحصيل العلم قد تذهب سدى. خاصة وأن وزارة التعليم المغربية، لم تتخذ بعد أية إجراءات وتدابير من أجل إدماج الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا في الجامعات المغربية. إذ لازالت الوزارة المعنية تدرس في الوقت الحالي مجموعة من الإقتراحات التي من شأنها تقديم حلول لإشكالة آلاف الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا، ويأتي على رأسها" فتح حوار مع الدول المجاورة من أجل متابعة دراستهم هناك، أو العمل على إدماجهم في الجامعات المغربية”، وفق ما نقلت صحيفة "هسبريس" الإلكترونية المغربية.
في بيان صحفي سابق، صرح وزير المغرب للتعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار، عبد اللطيف ميراوي، أنه "بعد الأسبوعين المقبلين ستتضح الرؤية أكثر بشأن هذا الملف وسنصل إلى حلول متكاملة".
مصير متوقف على قرار الحكومة
يذكر أن الوزارة أنشأت منصة تخص الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا من أجل تسجيل معطياتهم وفرز تخصصاتهم في أفق معالجة وضعيتهم، وإدماجهم، حسبما وعد به عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
من جهة أخرى، خرجت أسر وعائلات الطلبة المعنين في وقفات احتجاجية أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالعاصمة المغربية، الرباط، الأسبوع الماضي، للمطالبة بتسريع وتيرة العمل على إنقاذ مستقبل أبنائهم الدراسي.
الطالب المغربي، نسيم، واحد من هؤلاء الطلبة، الذي تم إجلاءهم من أوكرانيا وعادوا إلى المغرب. الطالب الذي ينحدر من مدينة الدار البيضاء المغربية، يدرس تخصص هندسة الكمبيوتر بإحدى الجامعات الأوكرانية. قبل أربعة أيام من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، عاد نسيم إلى المغرب ضمن الرحلات الجوية التي خصصت لإجلاء الطلبة المغاربة من البلاد.
منذ عودته يبحث، الطالب المغربي عن إمكانية لإكمال دراسته خارج المغرب، خاصة في ظل الضبابية التي تحيط بمستقبله ومستقبل الكثيرين من الطلبة المغاربة غيره في بلده وعدم صدور قرار بشأنهم لحد الآن، كما روى لـ "مهاجر نيوز".
يقضي نسيم معظم وقته الآن في التواصل مع الجامعات، وقد تواصل في الأسابيع القليلة الماضية مع عدة جامعات في رومانيا، لكن:" تكاليف الدراسة هناك باهضة مقارنة مع أوكرانيا. بعد ذلك بحثت عن جامعات في بولندا والآن أبحث عن مقعد للدراسة في ألمانيا أوأي بلد من البلدان الأخرى. راسلت عدة جامعات وحصلت على جواب من إحدى الجامعات في بولندا" يقول نسيم.
الأمل يصطدم باللغة وطول فترة الحصول على تأشيرة
يفضل نسيم متابعة دراسته بإحدى الجامعات في ألمانيا عن أوكرانيا وعن أي مكان آخر، كما أكد. لكنه يرى أن عليه المرور بعدة مراحل للوصول إلى هذا الهدف. "بالنسبة للجامعات في ألمانيا، هناك عائق اللغة ويضاف إليه تكاليف الدراسة التي تفوق تلك التي تطلبها الجامعات في أوكرانيا. كما أن الحصول على التأشيرة يتوجب تحقيق عدة شروط.أعتقد أنه علي المرور بعدة مراحل". بالنسبة للطالب المغربي، تكمن المشكلة في الوقت الذي يتطلبه تعلم اللغة والحصول على تأشيرة الدراسة، "الخطوات للحصول على تأشيرة تأخذ وقتاً طويلاً للغاية. ناهيك عن أن تعلم اللغة الألمانية، يتطلب أيضاً فترة لا تقل عن سنة كاملة".
تعتبر الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي DAAD، بوابة الطلبة والباحثين من مختلف أنحاء العالم إلى التعليم العالي الألماني. بالإضافة إلى المنح الدراسية، تقدم الهيئة التعليمية، التي تأسست عام 1925، برامج دراسية متنوعة للشباب من داخل و خارج ألمانيا، ومن بينهم، الطلبة المغاربة. يمكن للطلبة من المغرب، المهتمين بمتابعة دراستهم في ألمانيا، العثور على معلومات كافية على القسم الخاص بالطلبة والأكادميين من المغرب.
كما تقدم الهيئة عبر موقعها الإلكتروني، المشورة للطلبة الراغبين في الحصول على مقعد دراسي بإحدى الجامعات الألمانية، عن طريق البريد الإلكتروني أو الهاتف. من الخدمات المعلوماتية الأخرى، توفر قاعدة بيانات القبول بالجامعات معلومات حول متطلبات الدراسة في ألمانيا، مع الخيارات المقابلة للمهتمين من المغرب.
منصة المعلومات التابعة للهيئة الألمانية للتبادل الثقافي DAAD، المعروفة بـ "MyGudie" تساعد الطلبة في اختيار مكان الدراسة في ألمانيا و تعريفه بخطوات التقديم للحصول على مقعد دراسي. كما تتضمن قاعدة بيانات المنح الدراسية، 94 منحة دراسية، للشباب المهتمين من المغرب في مختلف التخصصات.
ضياع سنوات الدراسة في أوكرانيا والبدء من نقطة الصفر، يشكل لدى الكثير من الطلبة العائدين من أوكرانيا هاجساً مقلقاً يشعرهم أحياناً بفقدان الأمل وأحياناً أخرى بالضغط والخوف من ما قد يخبئه المستقبل لهم.
التحصيل العلمي معترف به في ألمانيا
المتحدث الرسمي لدى الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي DAAD، ميشائيل فلاكه، أوضح في رد على سؤال حول مصير سنوات التحصيل العلمي للطلبة العائدين من أوكرانيا، لـ "مهاجر نيوز"، أن أوكرانيا عضو في اتفاقية "بولونيا " منذ عام 2005. وهي اتفاقية تم توقيعها عام 1999 لأول مرة بين 29 دولة أوروبية من أجل تحسين المستوى الأكاديمي للجامعات الأوروبية، وجذب الطلبة الدوليين وتقديم الدعم لهم في مختلف المجالات العلمية على مستوى العالم. ويؤكد المتحدث الرسمي، على أن "هذا يعني أن العديد من الإنجازات الأكاديمية للطلبة في أوكرانيا معترف بها أيضاً هنا في ألمانيا، فهي لن تذهب "سدى" وتضيع جميع جهودهم".
من أجل تسهيل هذه الخطوة، يقدم موقع "أنابين"، anabin.de، معلومات عامة عن عملية تقييم الشهادات الأجنبية للطلبة، وكذلك عن عملية التقديم للإعتراف بالمؤهلات التعليمية الأجنبية من قبل المعاهد و الجامعات الألمانية.
رغم ظروفه الصعبة، يحاول نسيم متابعة دراسته الجامعية عن بعد عبر الإنترنيت، لكن هذه الإمكانية لا تخلو من مشاكل تقنية بسبب الحرب الدائرة حالياً. كما أنها لا تتيح للطلبة دراسة جميع المواد التعليمية، كما أكد الطالب المغربي.
عن آماله في الوقت الحالي، يكشف نسيم أن كل ما يتنماه الآن هو أن تنتهي الحرب الدائرة في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، وأن يتوصل طرفا الأزمة إلى حل للتهدئة، حتى يتمكن وباقي زملائه الطلبة من العودة وإكمال دراستهم هناك، لأنه يرى أن ذلك يبقى الحل الأفضل للجميع، على حد قوله. لكن في الوقت نفسه ينتابه القلق من استمرار الحرب مدة أطول، مما قد يؤثر سلباً على مستقبلهم الذي لا زال يلفه الكثير من الغموض في الوقت الحالي.
إيمان ملوك - مهاجر نيوز 2022