تقليديا تتمتع ألمانيا والمغرب بعلاقات سياسية ودية ودافئة لم يتخللها توترات كبيرة خلال العقود السبعة الماضية. ومن هنا تأتي المفاجأة في توتر هذه العلاقات التي وصلت مؤخرا إلى حد قيام المغرب بدعوة سفيرته ببرلين للتشاور.
برلين من جهتها تبدو في حيرة في أمرها إزاء القرار المغربي حسب الخارجية الألمانية. وفي الوقت الذي أكدت فيه برلين هذه الحيرة وطلبت مجددا توضيح الأمر من جانب الرباط، قالت الأخيرة أن سبب خطوتها الأخيرة يعود إلى ما اسمته "المواقف العدائية وغير المقبولة لألمانيا ضد مصالح المغرب العليا" في قضايا أبرزها قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو. وتجاوزا للغوص في خلفيات الأزمة الدبلوماسية التي يصعّدها المغرب منذ مارس الماضي فإن احد الأسئلة الأساسية التي يتكرر طرحها يتركز حول مدى تأثر العلاقات الاقتصادية الألمانية المغربية القوية والمتنوعة بها. لكن وقبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة على هذه العلاقات وآفاقها.
بيت القصيد في العلاقات الاقتصادية
على الصعيد الاقتصادي يوجد بين المغرب وألمانيا علاقات تجارية قوية وشراكات استثمارية في مجالات متعددة أبرزها البنى التحتية والطاقات المتجددة وصناعات تحويلية عديدة، فألمانيا هي سابع أكبر البلدان المصدّرة إلى ألمغرب وخامس أكبر مستورد منه حسب معطيات مؤسسة الاستثمار والتجارة الألمانية.
ومقارنة مع الدول العربية الأخرى احتل المغرب في عام 2020 المرتبة الثانية بعد تونس على صعيد الصادرات إلى السوق الألمانية بقيمة زادات على 1.3 مليار يورو مقابل حوالي 1.7 مليار يورو لتونس. أما الصادرات الألمانية إلى المغرب خلال العام المذكور فقد تجاوزت قيمتها 1.9 مليار يورو فاحتلت المرتبة الرابعة بعد الإمارات والسعودية ومصر.
غير أن بيت القصيد في العلاقات الاقتصادية المغربية الألمانية يتمثل في أن الصادرات المغربية إلى ألمانيا لاتعتمد على المواد الأولية كما هو عليه حال في معظم الدول العربية، فهي تقوم بالدرجة الأولى على منتجات تحويلية ذات قيمة مضافة عالية كالأنسجة والمواد الغذائية والمنتجات الإلكترونية والكيميائية وما شابهها. وبالمقابل تركز الصادرات الألمانية على وساط النقل والآلات والتجهيزات الطبية وتقنيات الطاقات المتجددة. ويدل على تنوع العلاقات وجود أكثر من 300 شركة عاملة في المغرب تساهم فيها رؤوس أموال وشركات ألمانية.
المغرب وموقعه في المساعدات التنموية
وتعد المشاريع المغربية الطموحة في مجال البنية التحتيةوالطاقات المتجددة نقطة جذب واعدة للشركات الألمانية. ويعكس الاهتمام الألماني بالمغرب سخاء برلين في تقديم مساعدات وقروض تنموية تأتي في المرتبة الثانية بعد مثيلتها الفرنسية. وتُقدر وزارة الخارجية الألمانية حجمها بنحو 1.4 مليار يورو في عام 2020، وفي هذا الإطار قامت برلين بتمويل برنامج دعم عاجل لدعم المغرب في مواجهة تبعات كورونا. ومن المتوقع حسب مصادر ألمانية استمرار وتيرة هذه الدعم خلال العام الجاري 2021.
وتنشط في المغرب فروع لأبرز المؤسسات الألمانية الداعمة للمشاريع التنموية وفي مقدمتها مؤسسة التعاون الدولي/ GIZ و بنك إعادة الإعمار/ KfW. ويحتل المغرب على الصعيد الأفريقي المرتبة الثالثة بعد تونس ومصر على صعيد القروض الميسرة والمساعدات التنموية التي يقدمها البنك المذكور والتي زادت قيمتها على 140 مليار يورو في عام 2019. هذا ويركز البنك في أنشطته حاليا على تمويل محطة رابعة للطاقة الشمسية في إطار مشروع "مجمع محطات نور للطاقة الشمسية" قرب ورزازات. ومن المقرر في هذا الإطار إنتاج طاقة "الهيدروجين الأخضر" للسوق الألمانية أيضا كجزء من استراتيجية ألمانيا للاعتماد على الطاقات الصديقة للبيئة.
المصالح المتبادلة ونزع فتيل الأزمة
تبدو العلاقات التجارية والاستثمارية بين المغرب وألمانيا متشعبة وقائمة على المصالح المتبادلة أكثر مما يتوقعه الكثيرون. وهو الأمر الذي يشكل أحد أسباب عدم تأثرها بشكل ملموس حتى الآن بالأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين. لكن السؤال المطروح هو كيف يمكن أن يستمر هذا الوضع في الوقت الذي طلبت فيه الخارجية المغربية من الهيئات الحكومية الامتناع عن التواصل والتعاون مع السفارة الألمانية في الرباط؟ ومن المعروف أن قسما هاما من التحضيرات والاجراءات الخاصة بالمساعدات التنموية يمر عبر هذه السفارة أو بمساعدتها. ومع دعوة السفيرة المغربية ببرلين للتشاور يطرح السؤال المذكور نفسه بقوة هذه الأيام.
في ظل هذا الحال وعلى ضوء الموقف المهدئ وغير التصعيدي الذي تتبعه برلين في التعامل مع الأزمة، يتوقع من الطرفين بذل أقصى الجهود لمنع تأثر علاقاتهما الاقتصادية المتنامية والقوية والواعدة بشكل سلبي. ويدعم هذا التوقع حقيقة أنه ليس في مصلحة المغرب دفع العلاقات مع برلين إلى مزيد من التوتر، لاسيما وأن للأخيرة دورا وازنا في ميزانية الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك الأهم للمغرب في معظم المجالات وتشكل مبادلاته التجارية معه ثلثي التجارة الخارجية المغربية. وتُعد المؤسسات الألمانية أحد أكبر الداعمين للمغرب في مشاريعه التنموية.
أما ألمانيا فلا ترى في السوق المغربية الواعدة فرصة لمنتجاتها وتقنياتها العالية وحسب، بل ترى فيها أيضا مدخلا إلى الأسواق الأفريقية التي يدخلها المغرب بسرعة وعروض مغرية. ويُعد المغرب بالنسبة لألمانيا من البلدان الأكثر تعاونا وأهمية في قضايا الهجرة والأمن الأوروبي كونه يلعب دورا إيجابيا في الحد من تدفق اللاجئين الأفارقة عبر أراضية إلى أسبانيا ومنها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى. أخيرا فإن خبرات السنوات أو العقود الماضية أظهرت أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب والاتحاد الأوروبي بقيت بعيدا عن تأثير الأزمات السياسية التي اندلعت سابقا لأسباب عدة مثل الخلافات حول حقوق الصيد البحري. ومما لاشك فيه أن هذه الخبرات ستلعب دورا في حل الأزمة الحالية بين برلين والرباط.
ابراهيم محمد