في سعيه لتحقيق التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، يحقّق دونالد ترامب أحد الأهداف التي بحث عنها الرؤساء الأمريكيون طويلاً، لكنه دفع لأجل ذلك ضريبة سيكون على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن التعامل معها.
هذا الأخير سيجد بلاده على علاقة وثيقة بأنظمة شرق-أوسطية تطاردها انتقادات حقوقية، كما سيكون عليه أن يجد صيغة للتعامل مع المغرب على ضوء صفقة ترامب، دون مسّ حليفة أمريكا الرئيسية، أي إسرائيل، ولكن كذلك دون الاستمرار في إنهاء دور الوساطة الذي لعبته واشنطن في نزاع الصحراء منذ عقود.
"رغم أن المغرب لم يتخذ قراراً بالتطبيع الكامل مع إسرائيل لكن الثمن الذي حصل عليه كان أكبر من الذي حصلت عليه البحرين والامارات، خاصة أن ترامب (وزيادة على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية) تعهد بصفقات عسكرية واستثمارات اقتصادية في المغرب يصل حجمها الى حوالي 4 مليارات دولار" يقول الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق الأوسط جو معكرون لـDW عربية.
من جهته، يقول دانييل غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة زينيث الألمانية المتخصصة في الشرق الأوسط لـ DW عربية أن إدارة بايدن ستحاول إعادة بعض محددات السياسة الأمريكية الخارجية ومن ذلك أن واشنطن تتوافق مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. لكن بايدن وحسب المتحدث سيجد نفسه في وضع صعب، فهو من جهة يريد إعادة التوازن للدور الأمريكي في الخارج لكنه كذلك لا يريد إلغاء كلّ القرارات التي اتخذها سلفه حتى لا يظهر أن السياسة الخارجية للبلد تتغير مع كل رئيس.
المغرب.. الرابح الأكبر
"صفقة ترامب مع المغرب.. صداع رأس آخر لفريق بايدن" هكذا يعنون موقع CNN تقريرا مطولا، يشير إلى أن الرباط استطاعت "انتزاع ثمن باهظ من الولايات المتحدة". وتنقل عن محلل سياسي اسمه جوف بورتر أن تراجع واشنطن عن سياستها في ملف الصحراء الغربية سيزيد بشكل كبير من احتمال تجدّد النزاع. ويضيف المحلل أن خطوة ترامب "تعطل ما كان يعدّ نهجاً أمريكيا متوازنا بحذر في الملف غايته بناء شراكات وتحالفات في منطقة متنوعة".
ويكتب أرون ديفيك ميلر، محلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي على تويتر: "إدارة بايدن القادمة لديها الآن مثالين على اعتراف إدارة ترامب من جانب واحد بالسيادة على منطقين غير معترف بهما من المجتمع الدولي، في تعارض مع قرارات الأمم المتحدة: الجولان (اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليها) والصحراء الغربية. فماذا سيفعلون (أي إدارة بايدن) "؟
The incoming Biden Administration now has two examples of the Trump Administration unilaterally extending sovereignty over territory not recognized by the international community and in contravention of UN resolutions -- Golan and Western Sahara. What will they do?
— Aaron David Miller (@aarondmiller2) December 10, 2020
ولا يتوقع معكرون أن يلغي بايدن قرار ترامب بشأن المغرب، لكنه يشير إلى أن بايدن "سيؤكد أن طريق الحلّ الوحيد لنزاع الصحراء هو عبر الأمم المتحدة، وبالتالي يكرّس الأمر الواقع القائم حاليا".
ويوضح معكرون أن الرئيس الأمريكي القادم كان يفضل ألّا يتعامل مع أزمة جديدة في شمال افريقيا في ظل ما يحصل أصلا في ليبيا، خاصة أن الأمر قد يؤثر على محاولات واشنطن الأخيرة لتعزيز العلاقة مع الجزائر غداة زيارة وزير الدفاع الامريكي المستقيل، مارك إسبر، إلى الجزائر العاصمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبل إقالته من ترامب.
هل يجبّ التطبيع ما بعده؟
وقبل الصفقة مع المغرب، أشرف ترامب على التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وإن كان المغرب قد ربح من الصفقة اعتراف أكبر قوة دولية بسيادته على الصحراء، فقد ربحت الإمارات المزيد من التغطية على دورها في حرب اليمن، وربطت علاقة مع حليف قوي في الشرق الأوسط، أي إسرائيل، بما يساعد أبو ظبي على مواجهة النفوذ المتنامي لتركيا وإيران. ويحضر شبح هذه الأخيرة عند الحديث عن المصلحة البحرينية المتخوفة من تنامي المد الإيراني في ترابها عبر المكوّن الشيعي.
وإن كان بايدن قد رحب بهذا التطبيع، إلّا أنه غير راضٍ تماماً عن ما قدمه ترامب في المقابل، ومن ذلك توصل الإمارات بطائرات إف-35، وهو ما ذكره توني بلينكن، مستشار رئيسي لجو بايدن، عندما قال لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن بايدن منزعج من بيع هذه الطائرات لأبو ظبي، مؤكدا أن إدارة أوباما وبايدن كانت تعمل على أن تصل الطائرات لإسرائيل وحدها في الشرق الأوسط، حتى تستمر في ضمان تفوقها العسكري، وبالتالي فالصفقة مع الإمارات ينظر إليها فريق بايدن بكثير من الحذر.
و ارتفعت أصوات أمريكية ضد اتفاقيات التسليح التي عقدتها إدارة ترامب مع الإمارات وقبلها السعودية سواء ضمانا لـ"أمن إسرائيل" أو انتقادا للسجل الحقوقي في البلدين وكذلك حربهما في اليمن، ومن المتوقع أن تزداد هذه الأصوات في عهد بايدن. وحاول مشرعون أمريكيون وقف آخر اتفاقية مع أبو ظبي لكنهم أخفقوا في ذلك.
"لن تكون علاقة إدارة بايدن مع الإمارات والبحرين كما كانت عليه مع إدارة ترامب، لكن ستكون هناك واقعية سياسية في التعامل مع حلفاء لا يمكن تجاهلهم، مع ضغوط بين الحين والآخر فيما يتعلق بحقوق الإنسان نتيجة مقاربة فريق بايدن" يقول جو معكرون.
لا اختلاف مع السودان
احتفت الكثير من دول العالم بشطب الولايات المتحدة لاسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، خصوصا أن ذلك تمّ في عهد جديد للسودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير. الديمقراطيون في أمريكا يرحبون كذلك بالأمر، ولو أن هناك إدراكاً أن الأمر لم يكن ليتم لولا ضغط ترامب على الخرطوم لأجل تطبيع علاقاتها مع تل أبيب.
ولا يشكل موضوع السودان الكثير من التحدي لإدارة بايدن، ولو أن هناك مطالب لها باتخاذ علاقة أكثر تعاونا مع السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية جد حساسة، عوض الاستمرار في خط ترامب الذي كان يريد انتزاع اعتراف سوداني بإسرائيل دون النظر في مشاكل بلد تتربص به قوى إقليمية شمولية ولا يزال يعاني من تعقيدات أمنية واقتصادية كبيرة.
وعموما يبقى قرار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية جد إيجابي بالنسبة لبايدن بغض النظر عن ظروفه، يؤكد غيرلاخ، لكن في الوقت ذاته، ففريق جو بايدن الخاص بالسياسة الخارجية "أكثر خبرة من ترامب فيما يخصّ العلاقة مع دول الشرق الأوسط، وهو يريد مقاربة أكثر توازنا، من ذلك حلّ الأزمة الخليجية، وخفض التوتر على الجانب الإيراني".
ويضيف غيرلاخ أن "بايدن يتذكر ما قام به بنيامين نتنياهو من إهانة لباراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري خلال نهاية فترتهما، ولذلك فلن يكون، أي بايدن، الصديق المفضل لنتانياهو"، يقول الخبير الألماني. قول لا ينسحب فقط على نتنياهو، فكثير من الحكام العرب كانوا يمنون النفس باستمرار ترامب، لأنهم يدركون أن إدارة بايدن، ومهما تسترت على ملفات تُحرجهم، إلّا أنها لن تصل إلى درجة يقول فيها بايدن لحاكم عربي: "أين ديكتاتوري المفضل!".
ينشر بشراكة مع DW