عند دخولهما عالم المسرح منذ طفولتهما في قطاع غزة، أراد الممثلان الفلسطينيان محمد ومحمود متابعة حلمهما حتى النهاية. وكانت هذه الرحلة أقوى من الحرب والقصف الحصار الذي عانى منه هذين الشابين بسبب الاحتلال الإسرائيلي. وسردا تفاصيل هذه المغامرة في مقابلة مع "الجزيرة بلس"، ومزجوا خلال حديثهما بين اللهجة الفلسطينية والمغربية التي تعلماها بالمملكة.
قدما في البداية إلى المغرب، من أجل المشاركة في مهرجان الرواد الدولي للمسرح بخريبكة، لكن في نهاية المطاف قرر هذين الشابين الاستقرار في الرباط، حيث أسسا أسرتيهما، ويتابعان مشوارهما الفني، بالإضافة إلى افتتاح محل لبيع الحلويات الفلسطينية. وقال محمود عفانة لـ "الجزيرة بلس" عندما تشعر بأنك تعيش بكرامة في بلد غير بلدك، هذا هو الإحساس الذي أشعره به في المغرب وأنا فلسطيني".
.وأكد الممثل أن الحب الذي أحسه هو وصديقه في كل مكان في المغرب "حب غير طبيعي". وعبر عن مدى الحب الذي يتلقيانه مشيرا إلى أن "صاحب المقهى التي نجلس بها من أجل كتابة سيناريوهات، أطلق عليها اسم مقهى فلسطين، تكريما لنا. حتى عندما نريد أن ندفع حسابنا، يقبل مرة وعشرين مرة لا يقبل".
لكن قبل مجيئهما إلى المغرب، قطع محمد ومحمود رحلة طويلة، ويحكي محمد بداياته على خشبة المسرح وهو في سن الثامنة، وقال" كان أبي يشتغل في إذاعة صوت الحرية، وأخبرني ذات يوم أن فريقه بحاجة إلى طفل للقيام بدور مسرحي وطلب مني أن أكون جزءًا من المجموعة. كنت أخشى ألا أتفوق في ذلك، لأنني كنت صغيرا جدا. لكنه كان مصرا".
وبدأت مغامرة صديقه محمود مع المسرح بعد عامين من ذلك. وقال "أخبرنا مدرس الموسيقى أنه بحاجة إلى فرقة موسيقية لإجراء بروفة على مسرحية، والتي كانت تدور حول أطفال ما بعد الحرب". وهكذا، اجتمعا على حب خشبة المسرح وأصبحا لا ينفصلان عن بعض.
وكان محمد يحلم بولوج عالم المسرح من بابه الاحترافي، وتلقي التعليم في هذا المجال. إلا أنه وبسبب الظروف التي تعيشها المنطقة بسبب الاحتلال الإسرائيلي لم يتوفق في ذلك وقال "لم يكن في غزة معهد سينمائي أو قاعة سينما أو مسرح، كان مسرح واحد فقط، تم قصفه هو الآخر". وعلى الرغم من موهبتهما المعترف بها في فلسطين، واجه محمد ومحمود تحد من نوع آخر، وذلك خلال محاولتهما عبور معبر رفح الحدودي، حيث شكلت هذه النقطة عقبة أمام العروض التي كانا يتلقيانها خاصة من المغرب، رغم توفرهما على الدعوات والتأشيرات.
لكن وبعد إصرار طويل، تمكنا الممثلان الفلسطينيان، خلال محاولتهما الرابعة، من المجيئ إلى المغرب، والمشاركة في مهرجان الرواد الدولي للمسرح في خريبكة، بعد أن قضيا ثلاثة أيام بالقرب من معبر رفح الحدودي.
وعرفت مشاركتهما خلال المهرجان نجاحا كبيرا، لكن لم يتمكنا من العودة إلى وطنهم، وهذه المرة أيضا بسبب الإغلاق الطويل لمعبر رفح. ونظرا لنقص الإمكانيات لم يستطيعا السفر، وفضلا البقاء في المغرب، وانتقلا من خريبكة إلى الرباط، حيث قضيا أكثر من شهر عند صديق لهما. وبينما كان من المقرر البقاء في العاصمة المغربية لبضعة أيام، في انتظار إعادة افتتاح المعبر، وقع الفلسطينيان في عشق المملكة وقررا الاستقرار بها، وحصلا بسرعة على بطاقة الإقامة.
وتزوج كلاهما في المغرب، وكونا علاقات قوية مع المغاربة، وبدآ تدريجيا في تعلم اللهجة المغربية. وقال محمد "اكتشفنا أننا لم نرد مغادرة المغرب، وأن شيء كبير يربطنا مع هذ الشعب. ونرى الفرحة عندما يسمعوننا نتحدث بلهجتهم".
واشتغل الثنائي لأكثر من سنتين على فيلم قاما بتصويره في المغرب، وتم عرضه في المهرجانات المحلية. ويسعى الممثلان إلى تحقيق نجاح أكبر، ليس من أجلهما فقط، ولكن من أجل والديهما. ويحكي محمود وعيناه تملئهما الدموع "عندما أخبرت والدي عن قراري بعدم العودة إلى المنزل، قال لي بما أنك لا تريد العودة، عد بشيء بين يديك. وإلا فمن الأفضل أن تموت هناك! " إنه شيء علق في ذهني. في كل مرة أشعر بالضعف، أتذكر كلمات والدي".
هاأتذكر والدتي، التي ودعتها بشكل سريع، وطلبت منها وقتها الدعاء لكي يوفقني الله. أتمنى أن أصل إلى الشيء الذي تتمنيه، وأرجع البيت وأرى دموع الفرح في عينيها، وتتفاخر بي أمام صديقاتك وجيرانها (...) سيأتي اليوم الذي أعود فيه إلى غزة ورأسي مرفوع ".
من جهته، عبر محمد عن فخره بالشباب في قطاع غزة، محاولا نقل رسالة كلها أمل إليهم وقال "تحلوا بالصبر، لأن الفرج قادم، وسنعمل على تحقيق الحلم الذي وعدناكم به" ووجهه رسالة لوالدية قائلا "لا تخافا على ابنكما، سأحقق حلمي في المغرب".