من المرتقب أن تبدأ خلال أيام قليلة حملة التلقيح ضد كوفيد -19 في المغرب، تنفيدا للتعليمات التي أصدرها الملك محمد السادس في 9 نونبر الجاري وهي عملية واسعة النطاق.
بدأ اختراع اللقاحات الأولى في القرن السادس عشر، لكن تم إجراء أول لقاح ضد الجدري في المغرب سنة 1929، لكن هذه العملية جاءت بعد سلسلة من الأحداث.
وتعود بداية هذه الأحداث إلى القرن العشرين. ففي اليوم التالي لمؤتمر الجزيرة الخضراء، تم تعيين يوجين لويس جورج ريغنولت (Eugène Louis Georges Regnault)، الدبلوماسي الفرنسي، وزيرا مفوضاً في طنجة، وذلك سنة 1906. وفي العام نفسه أبلغ هذا الأخير، سلطان المغرب برغبته في افتتاح معهد في علم الأحياء والميكروبات والأمراض واللقاحات.
وبعدها بأربع سنوات، تم إخراج المشروع إلى أرض الواقع، وأصبح المغرب يضم أول معهد تابع لسلسلة معاهد باستور، شأنه شأن تونس والجزائر، حسب ما أوردته وثيقة تسترجع تاريخ معهد باستور في المملكة.
وفي 14 يوليوز 1913، أطلق على المعهد الصحي رسميا "معهد باستور طنجة"، وتم توقيع العقد بين معهد باستور في باريس ووزير الخارجية الفرنسي في 1 يناير 1914 وينص على ثلاث خدمات: تحضير لقاحات داء الكلب والجدري، وبالتالي إنهاء خدمات استيراد لقاحات الجزائر أو إشبيلية، وخدمات التلقيح والتحاليل البكتريولوجية الطبية والبيطرية" ومع ذلك "لم يتم إعطاء تفويض بحثي خاص لمعهد باستور بطنجة" حسب الوثيقة نفسها.
وفي سنة 1918، أصدرت فرنسا الاستعمارية قانونًا، تم اعتماده في شكل ظهير ونشر في الجريدة الرسمية رقم 319 بتاريخ 2 دجنبر 1918، لتنظيم عمليات اللقاح في المغرب. وأشارت الأكاديمية الوطنية الفرنسية للطب إلى أن "المراسيم والتعاميم توالت واحدة تلو الأخرى من أجل القيام بحملات التطعيم واللقاحات حسب التطورات الاجتماعية والظروف الوبائية والإمكانيات البشرية والمالية".
ولم تعط انطلاقة أول عملية تلقيح ضد الملاريا إلا في سنة 1919، بناءً على طلب المارشال والمقيم العام للمغرب هوبير ليوطي. وفي سنة 1921، تم إنشاء مديرية مدنية فرعية للصحة، قبل أن يفسح المجال، في عام 1926، لإنشاء مديرية الصحة، التي كانت تضم خدمتين، تتعلق الأولى بالصحة والنظافة العامة، والثانية بالخدمة الطبية والاجتماعية والمساعدة، وفق ما كتب الدكتور بيير شاربونو في كتابه "الطب الوقائي في المغرب خلال فترة الحماية".
في عام 1928، رأت فرنسا الاستعمارية الحاجة إلى إنشاء معهد باستور ثاني في المغرب. وفي 15 نونبر 1929، تم التوقيع على اتفاقية بين المقيم العام ومعهد باستور بباريس، وبدأت بعدها أشغال بناء معهد باستور بالدار البيضاء. وفي 17 دجنبر من نفس العام، تم تعيين الدكتور جورج بلان مدير معهد باستور بأثينا لمدة 11 عاما، مديرا جديدا للمعهد بالمغرب، وشغل المنصب حتى سنة 1962.
وبدأ المغرب يخطو خطواته الأولى في مجال الطب الوقائي، حيث تم بعد ذلك إنشاء معهد الرباط للصحة، إلى جانب مختبرات للبحث والتطبيق، في ثلاثينيات القرن الماضي. وهكذا تم إدخال أول لقاح ضد الجدري في المغرب سنة 1929. وفي سنة 1940، أعيد تنظيم وزارة الصحة والأسرة والشباب تطبيقا للظهير في 28 شتنبر، كما جاء في كتاب " قانون الصحة في المغرب: مناصرة صحة الإنسان"
وتلاه إدخال "عصية كالميت غيران" التي تعرف اختصارا بـ " بي سي جي" وهو لقاح ضد السل في عام 1949، بالإضافة إلى لقاح الكزاز ثم السعال الديكي في 1963، حسب الأكاديمية الوطنية الفرنسية للطب.
لكن في السنة الأولى من استقلال المغرب، أصدرت المملكة المرسوم رقم 2-56-036 المؤرخ في 1 غشت 1956، من أجل تنظيم خدمات وزارة الصحة العامة. هذا النص سيلغى بالمرسوم الصادر في 25 فبراير 1976 ثم يُستكمل بمرسوم وزاري في 21 نونبر 1980، حسب ما ذكره الكتاب المذكور أعلاه.
وأوضح أنه، في غضون ذلك، نظم المغرب حملته الأولى للتلقيح ضد شلل الأطفال، بين سنتي 1964 و1967. وأضاف "في سنة 1967 أعطيت انطلاقة الأنشطة الأولى للتلقيح الشامل والتلقيح في نقاط ثابتة". ومع ذلك، في الثمانينيات، أظهر تقييم استراتيجيات اللقاحات في المملكة بعض الفعالية المنخفضة. وفي 1981، أدخل المغرب بعد ذلك برنامج تطعيم موسع (EPI) في إطار خطته التنموية الخمسية 1981-1985.
وعرفت سنة 1987 إطلاق حملات تلقيح كبيرة، أطلق عليها "أيام التلقيح الوطنية" في أكتوبر ونونبر ودجنبر، لتمكين المغرب من محاربة ستة أمراض رئيسية: السل، الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي وشلل الأطفال والحصبة عند الأطفال منذ الولادة وحتى سن الخامسة، وكذلك الكزاز عند النساء في سن الإنجاب.
ومنذ سنة 1988 وصلت تغطية التلقيح ضد الأمراض الستة إلى 81٪ بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 شهرًا و87٪ لمن تتراوح أعمارهم بين 12 و59 شهرًا على المستوى الوطني، وهو ما يفسر نجاح الحملة.