كان نزار إبراهيم، يحلم بأن يصبح عالم حفريّات وهو في سن الرابعة، حيث تولد له حب الحيوانات وخاصة الديناصورات "من خلال أحد الكتب"، حسب ما قاله عالم أحياء الحفريات المولود في 8 شتنبر 1982 لأب مغربي وأم ألمانية.
وخلال حديثه مع موقع يابلادي قال "لطالما كنت مقربا من الحيوانات، وكنت دائما أرغب في معرفة المزيد عنهم. إنه لأمر مدهش أن نرى التكيفات التشريحية لبعض الأنواع، مثلا الحيتان التي تغوص بعمق 3000 متر". وبالنسبة له فإن "إمكانية فهم بيولوجيا الأنواع المنقرضة أمرًا لا يقاوم".
"الأهم من ذلك كله أنها أتيحت لي الفرصة لاستكشاف العالم وزيارة الأماكن التي لا يراها معظم الناس أبدًا وفهم تاريخ الحياة والحيوانات بشكل أفضل"
نشأة نزار إبراهيم في ألمانيا، التي ساعدته كثيرًا في متابعة شغفه بالعلوم والحيوانات، بفضل المتاحف والمعارض ومراكز البحث العديدة المتواجدة في هذا البلد الاوروبي. وقاده حبه لهذا المجال إلى متابعة دراسته في الجيولوجيا والأحياء في جامعة بريستول قبل التحاقه بجامعة دبلن وكلية الطب التابعة لها للحصول على الدكتوراه في علم الحفريات.
وبعدها انتقل إلى الولايات المتحدة، وولج هناك إلى جامعة شيكاغو وتحديدا قسم التشريح. وحاليًا، يقوم بتدريس تشريح فقاريات المقارن وتشريح الإنسان في قسم علم الأحياء في ميشيغان.
لكن عمله في الجامعة لم يبعده عن العمل على أرض الواقع. وقاده بحث قام به هو وفريق عمله في 2010،، إلى اكتشاف أثار مجموعة من التساءلات حول الديناصورات. وقال إن "المغرب هي إحدى المناطق الجغرافية الرئيسية التي أستكشفها من خلال بحثي، لأن المملكة من أغنى البلدان في كنوز الحفريات في إفريقيا، إنها القارة المنسية في علم الحفريات".
من قصة حزينة إلى اكتشاف كبير
تمكن نزار إبراهيم هو وفريقه في منطقة كيم كيم الواقعة في جنوب شرق المغرب، إلى الوصول إلى أحد أعظم الاكتشافات العلمية في مجال الحفريات في هذا القرن: "سبينوصور إيجيبتاكوس". وقال عالم أحياء الحفريات المغربي "بدأت القصة منذ أكثر من 100 عام مع عالم الأحافير الألماني إرنست سترومر، الذي استكشف الصحراء في مصر، حيث اكتشف عالمًا من الديناصورات والفقاريات التي عاشت هناك".
لكن سرعان ما اختفت تلك الحفريات والبحوث بعد القصف الجوي الذي نفذته القوات الجوية البريطانية لمتحف ميونيخ خلال الحرب العالمية الثانية. وقال إبراهيم "فقد الباحث اثنين من أبنائه الثلاثة خلال الحرب".
وبعد عقود من هذه المأساة، حاول الباحثون تعقب ديناصورات "سترومر" المفقودة في أجزاء مختلفة من الصحراء، من بينها المغرب، حيث يرى الباحثون أن حياة الديناصورات في الصحراء امتدت من مصر إلى المغرب.
"لذلك قررت إعادة اكتشاف هذا العالم من كنوز الحفريات، وبدء مشاريعي البحثية في المغرب التي كانت أكثر سهولة بالنسبة لي. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الفصاءات الكبيرة التي تستحق الاستكشاف".
وعلى مدى الـ 12 عامًا الماضية، اكتشف الفريق "جميع أنواع المخلوقات" في المملكة، بدءًا من تماسيح ما قبل التاريخ، والأسماك العملاقة إلى الزواحف المذهلة. وقال إبراهيم بنبرة ابتهاج وفخر "وسط كل هذا، وبفضل باحث عظام محلي، وقعنا على هيكل عظمي للسبينوصور. كان هذا هو الاكتشاف الأكثر شهرة الذي قمنا به ومؤخراً اكتشفنا ذيل سبينوصور الذي كان موضوع الدراسة التي نُشرت هذا العام".
"كانت دراسة مهمة، اكتشفنا من خلالها أن ديناصورا واحدا على الأقل كان له نمط حياة مائي، بالإضافة إلى أنه أكبر حيوان مفترس في العالم. كما ساعدت الحفريات التي عثر عليها في المغرب في إعادة بناء الهيكل العظمي الوحيد في العالم لسبينوصور ".
من أجل متحف وطني مخصص لاكتشافات المغرب
من خلال هذا الاكتشاف، يقول الباحث وعالم الحفريات إنه يريد "توعية المغاربة بأهمية التراث المهم للغاية للمملكة". وقال "يمكن أن يعرض هذا السبينوصور في متحف. هذا هو نوع الحفريات التي يريد الجميع رؤيتها والحصول عليها"، مشددًا على أن جميع الحفريات التي تم العثور عليها محفوظة في المغرب، على عكس ما يحصل في بعض الأحيان حيث ينتهي بها المطاف في أوروبا أو الولايات المتحدة". وزاد قائلا "قررت إنشاء مجموعة بحثية في الدار البيضاء، ولكن الأمر كان صعبا. لأن ذلك يحتاج إلى مساعدة من الدولة لضمان الحفاظ على هذه الكنوز في حالة جيدة".
وشدد عالم أحياء الحفريات المغربي، على ضرورة توفر المغرب على "متحف وطني حقيقي". وأوضح قائلا "أنا لا أتحدث عن المتاحف المحلية ولكن عن البنية التحتية مع مساحة للمجموعات والحفاظ على الاكتشافات المستقبلية. إنه لأمر مؤسف أننا ما زلنا نتحدث عن هذه المشاريع دون أن إخراجها إلى أرض الواقع".
"اتخذنا الخطوة الأولى مع مجموعتنا البحثية في الدار البيضاء. الوسائل موجودة ولكن ما ينقصنا هو الاستثمار. سيكون معلم جذب سياحي كبير. على سبيل المثال، يعد متحف التاريخ الطبيعي في لندن أحد أكثر الأماكن زيارة في العالم. إذا كان لدينا متحف يعرض فيه أكبر حيوان مفترس في العالم، سيأتي السياح من أجل اكتشاف ذلك ".
كما وعد الأستاذ الباحث بالعديد من الاكتشافات التي سيتم الإعلان عنها في الأشهر المقبلة، وقال إنه سيتم نشر البعض منها خلال 4 أو 5 أشهر. وتابع "لدينا أيضًا مواقع حفريات، ليس فقط للديناصورات ولكن لحيوانات ما قبل التاريخ الأخرى التي توصلنا إليها من خلال عملية الاستكشاف. صحيح أنه بسبب كوفيد -19، أصبحت المهمات الميدانية مستحيلة عمليا، ولكن بمجرد أن نتمكن من السفر مرة أخرى، سنعود إلى هذه المواقع ".
ويعتزم عالم الحفريات المغربي، إخراج فيلم وثائقي ثانٍ حول اكتشافات فريقه في المغرب. وقال "هناك اهتمام عالمي هائل بهذا الاكتشاف وعلى المغرب انتهاز هذه الفرصة واحتضان هاته المشاريع. كباحثين، جعلنا المغرب مشهورًا في جميع أنحاء العالم. الآن، حان دور المغرب لتولي زمام الأمور".