عندما زار الموسيقي والمطرب والممثل السوري-المصري، المغرب لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، لم يكن يعلم أنه سيقع في حب امرأة مغربية.
ووقع الفنان الراحل في غرام المغنية اليهودية مايا كاسابيانكا المولودة في الدار البيضاء، إلا أن حبهما لم يكتمل بالزواج، وظلت تحتفظ به كذكرى جميلة، وبقيت كزابيانكا تحكي عن عشقها لفريد الأطرش حتى آخر أيامها.
ولدت مايا في المغرب عام 1940 باسم مرجوت المكيس عزران لأسرة يهودية، وفي الثامنة من عمرها، هاجرت مع عمتها إلى إسرائيل وعاشت لسنوات في حيفا، بينما بقيت عائلتها في المغرب، وبعد أن بلغت كازابيانكا الرابعة عشر من عمرها انتقلت هي وعائلتها للعيش في باريس، ومن هناك انطلقت حياتها الفنية، بمساعدة والدها الذي كان يعمل كمنظم للحفلات الموسيقية.
واختار لها المغني الإيطالي-الفرنسي، إيف مونتان اسما لتقتحم به عالم الشهرة، وتم تغيير اسمها من مرجوت المكيس عزران إلى مايا كازابيانكا، في إشارة إلى مسقط رأسها، الدار البيضاء، حسب ما أوده موقع "لو فيغارو".
ومثلها مثل العديد من فتيات جيلها، كانت من معجبات فريد الأطرش، أيقونة الرومانسية في الشرق الأوسط والعالم العربي في القرن الماضي. إلى أن شاءت الأقدار والتقت به. وسردت مايا تفاصيل لقاءها الأول مع فريد في مذكرتها.
وقالت كان فريد من بين الحضور، خلال أول حفلة غنائية لها في أكتوبر 1960، بالإضافة إلى فنانين آخرين مشهورين. وتابعت "نظرت إلى الحشد ودهشت من عدد الأسماء الشهيرة التي أتت إلى حفلتي الموسيقية الأولى".
وجاء في مذكرة مايا كازابيانكا "أردت أن يتذكر فريد صوت هذه الفتاة المغنية" وهو ما حصل بالفعل، حيث أعجب بغنائها وموهبتها. وزادت قائلة "لا يمكن القول إن شرارة الحب الأولى انطلقت في تلك اللحظة، لكنني انفعلت كثيرًا وشعرت باضطراب شديد وأنا أرى أمامي نجم الشرق اللامع الوسيم الحبيب الذي قضيت أجمل ساعات أردد أغانيه وحلمت بلقائه والتعرف إليه. الفنان العملاق الإنسان الكبير الذي أعجبت به منذ فتحت عيني على الفن والغناء صار هو المعجب بي".
هكذا بدأت قصة الحب بين فريد الأطرش ومايا كاسابيانكا. وفي سيرتها الذاتية التي نشرت عام 2001 باللغتين العربية والعبرية، تحدثت المطربة اليهودية عن علاقتها مع الأطرش/ وكشفت أنها "طلبت من فريد أن يتزوجها عدة مرات" لكن المطرب "ظل مصرا على رغبته في البقاء أعزبا".
وحكت المطربة الراحلة مغربية الأصل أن أغنية "يا جميل يا جميل" كتبها فريد عنها، وبعد إصدارها، وقامت بغناء النسخة الفرنسية من الأغنية، وهو ما زادها شهرة أكثر. وقامت بتسجيل 320 أغنية معظمها، كانت من تأليف فريد الأطرش.
وعلى الرغم من حبها الكبير له، واحتفاظها بصورته في منزلها، حتى بعد وفاته، كان على مايا الانفصال عن حبيبها، وذلك بعد تعرضها لانتقادات بسبب "حفلها الشهير هاتيكفا في الاتحاد السوفياتي، والذي قررت فيه الكشف عن هويتها اليهودية". واضطرت بعدها إلى مغادرة بيروت في ستينات القرن الماضي والانفصال عن فريد الأطرش، بعد أن أخفت هويتها اليهودية لسنوات بناءً على طلب المنتجين.
وعن لقائها الأخير معه، قالت مايا في مذكراتها "صبيحة اليوم الأخير، أفقت فوجدت فريد يحمل معطفي!... أخذت لحظات الفراق تختنق. لاحظت يديه ترتجفان، لكنه حاول إخفاء ذلك عني، وكانت أصابعي أيضا ترتجف، فضمني إليه، ولم أكن أستطيع أن أحتمل. انفجرت دموعي. فقبّل دموعي ثم قال: شابتي الحبيبة، ليست هذه النهاية، بل هي البداية، لو استطعت لما تركتك لحظة إلى الأبد".
ورغم ذلك، رفضت مايا كل زواج عرض عليها بعد انفصالها عن فريد الأطرش، وقررت أن تعيش على ذكرى حبها الأول والأخير. وقالت في مذكراتها إنها كانت تنتظر "موعد أفلام فريد الأطرش في الفضائيات العربية" وتبكي بمرارة عند كل لقطة له في الفيلم. وفي 31 دجنبر 2018، توفيت في إسرائيل عن عمر ناهز 78 عامًا، أي بعد 44 عامًا من وفاة فريد الأطرش.