القائمة

الرأي

الملك والمواجهة المباشرة مع جمهور المُتقاضين

 

  يُثير مشروع القانون التنظيمي رقم 100.13، المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة التنظيمية، الكثير من الأسئلة، خاصة على مستوى تصوره لاستقلالية النيابة العامة عن سلطات وزارة العدل، حيث تعتبر المادة 103 منه الوكيل العام لدى محكمة النقض، رئيساً للنيابة العامة.

  يُثير مشروع القانون التنظيمي رقم 100.13، المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة التنظيمية، الكثير من الأسئلة، خاصة على مستوى تصوره لاستقلالية النيابة العامة عن سلطات وزارة العدل، حيث تعتبر المادة 103 منه الوكيل العام لدى محكمة النقض، رئيساً للنيابة العامة.

 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

الواقع أن فكرة هذه الاستقلالية تعود أساسا إلى توصيات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة، فالدستور ومع كل الخطوات المتقدمة التي نصّ عليها في إطار تدعيم السلطة القضائية المستقلة، لم يحسم في الجهة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة، إذ سواء في الفصل 110 منه، عندما اكتفى بالحديث عن ضرورة التزامهم بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، أو في الفصل 116 عندما اعتبر أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يراعي في القضايا التي تهمهم تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها، فإن الدستور لم يوضح تماما ما المقصود بهذه السلطة، والتي جاءت في النص الفرنسي بصيغة (L’autorité hiérarchique) وليس (Le Pouvoir).

أبعد من ذلك، عندما نعود إلى الحوار العمومي الذي عرفه المغرب منذ انطلاق ورش إصلاح القضاء، وصولا إلى المذكرات المرفوعة إلى لجنة المنوني، فبقدر ما نجد اتجاها غالبا لإخراج وزارة العدل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية (من اللافت هنا أن نذكر بموقف الاتحاد الاشتراكي الذي طالب بتضمين هذا المجلس أعضاء يُعيّنهم وزير العدل لمتابعة السياسية القضائية للحكومة)، لا نجد التوجه نفسه، فيما يتعلق باستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل، إذ يمكن نظريا تصور إمكانيات قانونية تسمح للوزارة بالتأثير في المادة التأديبية المتعلقة بقضاة النيابة العامة رغم عدم توفر الوزير على مقعد بالمجلس.

والواقع أن فكرة «إخراج» وزارة العدل من المجلس الأعلى، تحتاج نفسها إلى نقاش، إذ كيف يستقيم الوضع، من جهة، مع تنصيص الدستور على صلاحية الحكومة في إقرار السياسات العمومية والسياسات القطاعية (الفصل92)، وضمنها نتصور طبعا السياسة الجنائية، أو سياسات الدعوى العمومية، وتنصيصه على مسؤولية الوزراء عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في قطاعه (الفصل 93). ومن جهة أخرى، مع تحميل مشروع القانون التنظيمي المذكور للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض مسؤولية تنفيذ السياسية الجنائية، التي يظل الوزير هو من يقوم بإعدادها وفقا للمادة 51 من المسطرة الجنائية!

نفكر في هذا الموضوع ونحن نستحضر النقاشات حوله في كل أنحاء العالم، حيث تظل – غالباً – النيابة العامة امتدادا للسلطة التنفيذية والمسؤولية السياسية داخل جسم العدالة.

في المغرب، ثمة أوجه سياسية للنقاش، أولها التخوف من أن يكون الدفاع عن أطروحة استقلالية النيابة العامة، مدفوعا بخلفيات سياسية تجعل البعض يفكر في تقليص الصلاحيات الدستورية للحكومة، فقط، لأننا اليوم أمام حكومة يقودها البيجيدي! ثانيها أن يؤدي تحصين النيابة العامة عن رقابة وزارة العدل، إلى إمكانيات احتمال سقوط بعض أفرادها رهينة لشبكات الفساد، أو للأجهزة في أحسن الحالات.

ثالث هذه الأوجه وأهمها على الإطلاق، يتعلق بالحالة السياسية التي يعرفها المغرب منذ 2011، والمتميزة بتصاعد ما يُعرف بديمقراطية الرأي، كتوصيف للشحنة التعبوية التي يخلقها تقاطع مواقف مواطنين /أفراد عبر وسائط الاتصال والصحافة، وإذا علمنا أن المساءلة تكاد تكون عقيدة هذه الديمقراطية غير المؤسساتية، كما هو الحال في قضيتي «گالفان» و«ملعب الرباط»، فإنه من الواضح أن إخراج النيابة العامة من دائرة المسؤولية السياسية للحكومة، ومن خطاطة ديمقراطية المؤسسات، لن يُعفيها في المطلق من مُتابعة ورقابة «ديمقراطية الرأي»، وهو ما يجعل من هذا الأمر مجرد مغامرة غير محسوبة لتحميل المؤسسة الملكية، وزر كل الانحرافات الممكنة للنيابة العامة، وهو ما يعني ببساطة جعل الملك في مواجهة مباشرة مع جمهور المتقاضين من ضحايا اختلالات جهاز القضاء الواقف.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال