اليوم أكملت اربعٍ وعشرين سنة. مضت سنتين على فراقنا ... تخرجت من الجامعة بتخصص علوم صيدلانية ، أي أصبح أسمي الدكتور أحمد ، أو كما كنتِ تنعتيني ب ( دكتور السعادة )... تأخرت قليلاً في دراستي ولم ألحق بأصدقائي الذين من عمري بسبب الظروف التي تعرفينها ، وهي ذاتها التي رفضوني اهلُكِ بسببها . كل شيء جميل ومرتب ، التخرج ، الحفل ، الطلاب ولا ينقص شيء عدا أنكِ لستِ موجودة !!
اليوم .. أكملت خمسٍ وعشرين سنة ، ومضت ثلاث سنوات على فراقنا ... إشتريت سيارة أحلامنا لتساعدني في مجال عملي الجديد كمندوب دعاية علمية ، لونها أحمر كما أحببتِ وفرشها داكن اللون وفيها فتحة للسقف ... وكل شيء فيها رائع ، عدا انكِ لن تركبيها .
اليوم .. أكملت ثمانٍ وعشرين سنة ، مضى ستُ سنوات على فراقنا ... دفعت مقدم شقة أحلامنا ، أجّرتها الى عائلة محترمة . فيها ثلاث غرف كبيرة وجميلة وموقعها في الحي الذي لطالما أعجبكِ، وكل شيء فيها هادئ ومرتب ولا ينقصها شيء غير أنكٍ الشخص الوحيد الذي لن يدخلها ..!!
اليوم قد أكملت عقدي الثالث ، مضى على فراقنا ثماني سنوات . سمعت من صديقتكٍ أنكِ رزقتِ بطفل .عمره الآن سبع سنوات ، هي حقا كانت سبع عجاف .. اليوم ... سأتزوج من فتاة قد أثارت إعجاب أمي ولم تثر فيّ سوى الحزن ، ولكني تزوجتها لأنها أحبتني ، على حسب مانصحني به صديقي محمد : تزوج التي تحبك ولا تنتظر أن تُحب ...وبصراحة ... بحثت عنكِ في جميع الاماكن ولم أجد شبيهة لكِ ... كان العرس رائعا جدا ، إلا أنكِ لم تكونِ العروس ...!!
اليوم ... عمري خمس وأربعون سنة مضى على فراقنا ثمانية آلآلاف وثلاث مئة وخمسة وتسعين يوم . اليوم عيد ميلاد إبني جاد ... أسميته كما إتفقنا ، أكمل الرابعة عشر وهو متفوق بدراسته ورياضي ، ويحب الرسم مثلكِ !! ... إلا أنكِ لم تكونِ أمه ...
اليوم عمري ستة وخمسون سنة ... ومضى على فراقنا أربعة وثلاثون سنة ... رجعت من غربتي محملاً بحقيبة فيها مبلغ من المال ، وادوية للضغط والسكر ... وما إلى ذلك ، رجعت لأحضر عرس إبنتي رنا ... أسميتها على إسمكِ كي أدلعها ب .. رنوشتي ، تماما كما كنت أدلعكِ ، كان العرس مدهشاً ... إلا أنكِ لم تحضريه ...
اليوم ... عمري ثمانٍ وخمسين سنة ، مضى على فراقنا ستة وثلاثون سنة ... لكن اليوم مختلف ... اليوم إلتقينا !! ... اليوم خطبة إبني المهندس جاد ... اليوم إجتاحتني موجة من السعادة ... عندما علمت أن إبنتكِ الصغيرة هي العروس ... تشبهكِ بكل تفاصيلكِ ، فريدة في حبها لإبني ... الخطوبة رائعة بكل المقاييس ... ولا ينقصها إلا أنكِ لستِ فيها ، قد أخبروني أنكِ توفيتِ منذ خمسة أعوام بمرض السرطان ... أكتب لك هذه الرسائل بخط يدي وأحتفظ بها في الصندوق الذي أهديتني إياه مع الكتب الثلاثة وقلمكِ السحري المعطر وولاعة السجائر التي عليها إسمكِ
أنت عشت السعادة السطحية و الأحلام التي كنت تتمناها لكنك لم تشعر يوما بالألم الذي تكون قد سببته لمن عاشت معك عقود و أحبتك ... لقد أظهرت لنا في القصة أنك كنت جسدا فقط في بيتك مع أسرتك و لست روحا ... صعب جدا هذا الأمر ... حقا في الحب ضحايا ...