بعض الإعجازفي القرآن الكريم : إن القرآن الكريم كما قال رسول الله , صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا تنقضي عجائبه "...فمن اقتدى به اهتدى , ومن تمسك به نجا , ومن خالفه ضل وشقي ... نزل بلغة كان الناطقون بها فرسان بيانها , شعرا ونثرا, لا تخفى عليهم أسرارها , لا تستعصي عليهم صورمجازها , ولاحقيقة بيانها, فهم خطباء مفوهون , وشعراء مفحمون , لهذا عندما استمعوا الى تالي آي الكتاب الكريم , تفاجأوا بصوت عذب , وتصويرشديد الدقة , وكلام يختلف عن كلامهم , فهو متصل الحلقات , واضح المعاني , مشرق الأنوار, رائع الأفكار.. وليس كتعابيرالكهان المتقطعة , المليئة بالألغاز, الغامضة المبنى , والمحدودة المعنى . ولا كخطب العرب المفتخرة بالأ نساب , والمعلية من شأن القبيلة , والميالة نحوعصبية مدمرة , تعتمد على أخذ الثأرونصرة القريب...ووجدوه كذلك يختلف عن أساليب الشعر, المحدود الأغراض , والمعتمد على أوزان لا يحيد عنها إلا من لا يعتد بشعره آنذاك , يختلف عنه لأن الشعرإما وقفة على أطلال حبيب , أو وصف معشوقة لا يعدوجمالها , أن يكون ذا شعروعينين أسودين , وبشرة بيضاء ناعمة ...وقد يكون غرضه وصف خمرة ذات صفات محدودة , أو يكون الغرض أو الموضوع الشعري فخرا, وتمجيدا للسيف والقنا .. لهذا أنصتواجيدا عنما تليت عليهم آيات التنزيل الحكيم , وتساء لوا : ماذا نسمع ؟ في أي تصنيف نضع هذا الخبر السار, ومن أي أسليب العربية هو؟ إنه فتح بياني لا مثيل له , ولاشك أن لهذا الكلام الرائع شأنا عظيما . كذلك لاحظنا أن كلام نبي الإسلام مفحم جذاب , يتضمن تجديدا في اللغة , وتسديدا في الرأي , وتمجيدا للرب , ونهجا غير مسبوق في الدعوة ...ومع ذلك لا يشبه كلامه المبارك هذا الكلام المنزل . لهذابادرمن كان ذا رأي صائب , و وازع من ضميرمتيقظ , وإنصاف شجاع ...الى القول : أشهد أن هذا ليس كلام بشر, وأشهد أن محممدا رسول رب العالمين ..وتزايد عدد المسلمين , لنهم وجدوا أن للتوحيد حلاوة , يقبلها العقل السليم من العادات الموروثة , وسخروا من أنفسهم التي كانت تسجد للأصنام , خاصة من كان يصنع تمثالا من الحلوى ويسجد له , وإذا جاع أكله .. كما لام نفسه من كان يدعي لله تعالى الولد والصاحبة , ووجدوا أن ذلك لا يقبله العقل السليم ...كما آمنوا بملائكة الله تعالى , وكتبه ورسله كلهم , عليه الصلاة والسلام , وعلموا أن يوم البعث آت لا ريب فيه , وأن الجنة والنار حق....فنزل قول الله تعالى :" إذا جاء نصرالله والفتح , ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا , فسبح بحمد ربك , واستغفره , إنه كان توابا...."وهوتوجيه إلهي عظيم , يبن لرسوله الكريم عليه السلام , أن النصرالذي أحرزه أت من عند الله تعالى , فهوالذي زين الإيمان للمؤمنين , وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, وجعل الناس يقبلون على الإسلام إقبالا كاملا, فوجب حمده تعالى على هذه النعمة العظيمة , كما وجه الله تعالى رسوله الكريم , الى شغل جزء من وقته باستغفار الله تعالى , وهوإشعا روتذكيرللنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ببشريته , فمنهج الدعوة ناجح , والغرض منها تحقق , إذن فما عليك وعلى أصحابك يا محمد , إلا الانشغال بعبادة من تدعون إليه . وهذا مما جد في بيان القرآن الكريم , فهو كله مبني على توحيد الله تعالى , وإخلاص العمل لوجهه الكريم ... بعض ما ما جد في القرآن الكريم : أشار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم , الى أن القرآن الكريم فيه أسرار, لا يعـلمها إلا الله تعالى وهوالقائل جل جلاله : " وما يعلم تأويله إلا الله , والراسخون في العلم يقولون : آمنا به , كل من عند ربنا , وما يذكر إلا أولوالألباب " . نفهم من هذا الإخبار الكريم , أن كلما تقدم العلم وتطور, اكتشف الباحثون إشارات جديدة في القرىن الكريم , كدليل على سمو مرتبته , وعلوشأنه , وما يبقى من أسراريكون أكبر, لانفراد الله تعالى بكل ما في القرآن الكريم من الأسرار وحده جل شأنه . ولقد تنبه بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم الى هذا , فقال: هذه الآية فيها إخباربغيب يتعلق بالأجيال المقبلة....و تتبع بعض الشيوخ رضي الله تعالى عنهم , ما جد في القرآن الكريم , وما به من إعجازعلمي حسب قدرات العصر الذي يعيشون فيه , وحسب مستجداته , فقا ل الشيخ : "عبدالفتاح طباره" في كتاب : " روح الدين الإسلامي ": من خصائصه المتميزة – يعني القرآن الكريم - : التصوير الفني ..وضرب الأمثال , والتكرار المفيد , والإيقاع الموسيقي , واشتماله على أنباء غيبية ...قال الله تعالى : " هوالقاد رعلى أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم , أو من تحت أرجلكم , أو يلبسكم شيعا , ويذ يق بعضكم بأس بعض ". الأنعام 65 . والخلاصة أن هذه الآية الكريمة بها أمورغيبية , فالله تعالى قادرعلى أن يخسف الأرض بالناس , وقاد رعلى أن ينزل عليهم سقوف دورهم , أوحجارة من السماء , كما فعل تعالى بأصحاب الفيل وغيرهم , وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة , كما يمكن أن تنطبق على العصرالحديث , فيكون العذاب الآتي من فوق , هو قصف الطائرات , والمتفجرمن تحت الأرجل يشيرالى المتفجرات المدفونة , التي ظهرت في العصر الحديث ..."أويلبسكم شيعا , ويذيق بعضكم بأس بعض"...وهذا ما نراه اليوم في دول مفتونة, يقتل بعضها بعضا , وقال الله تعالى :" أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها.."الرعد41 . فشكل الأرض لم يكن معروفا زمن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم , وقد أخبر الله تعالى أن الأرض غير تامة الاستدارة , في قوله الكريم :" أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ". ويقال اليوم بأنها على شكل بيضة , أوعلى شكل برتقالة والله تعالى أعلم ...كما أثبت القرآن الكريم , أن الكواب والنجوم سابحات في الوجود , وهوإثبات لدوران الأرض في زمن لم يكن معروفا فيه ذلك , ولقد مرت قرون على نزول القرآن الكريم , وعندما قال بعض الغربيين : إ ن الأرض تدورأعدموه...لأن القول الذي كان سائدا , هو أن السماء قبة زرقاء , والأرض متصلة بها ...وهذا يرفضه القرآن الكريم من قبل الاكتشافات الحديثة , قال الله تعالى :"وآية لهم الليل نسلخ منه النهار, فإذا هم مظلمون , والشمس تجري لمستقر لها , ذلك تقدير العزيز العليم , والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم , لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر, ولا الليل سابق النهار , وكل في فلك يسبحون " ... هذا الوصف والإخبار العظيمان , لم يكن العرب يسمعون مثله , لهذا بهرهم بيانه , وأفحمهم إعجازموضوعه , الذي تناول أمرا كان لا يخطرعلى بال بشرمن العرب العاديين . ومن آيات القرآن الكريم الجديدة في مدلولها , وتركيبها , وإعجازها العلمي , قول الله تعالى:" ألم ترأن الله يزجي سحابا , ثم يؤلف بينه , ثم يجعله ركاما , فترى الود ق يخرج من خلاله "... النور43 . هذا مثل السابق في جدة الموضوع , فهو بيان كريم يبين لنا كيف يتكون السحاب , وكيف يهطل المطر ...فالعرب تحولوا من سماع موضوعات الخطابة وسجع الكهان وأشعار المجان , الى سماع قرآن عظيم يشرح الوجود , ويبن دور كل موجود , ويوضع الغاية من خلق الإنسان , وأنه إن حاد عن الفلك الذي ينبغي أن يدور فيه زل , وهذا أمرعجيب , ومستجد لافت , قال الله تعالى :" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام , ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا , حرجا , كأنما يصعد في السماء". الأنعام 125 . يصعد في السماء , ماذا يعني هذا التعبير العظيم , نحن لم نطر بعد الى السماء , نحن في عصر جاهلية ... هكذا كان يتردد في خلد بعضهم مثل هذه الأسئلة , التي لم يجب عنها إلا عصر اكتشف وجود الأكسجين , وقلة وجود في أعالي الوجود , فلا بد للطيار من تزود به , وإلا غاب عن الوجود , وضاق صدره , وكاد ينخنق ... إن هذا من الأخبار التي لا يعرفها إلا من عاش في عصر علمي رائع , خبرالوجود , وسافرالى المريخ , فلا يسع المستنع إلا أن يشهد أن هذا كلام الله تعالى , وأن محمدا رسول الله تعالى , صلى الله تعالى عليه وسلم . ولقد توسع السيد طبارة في هذا الموضوع الشيق , فعليك بكتاب "روح الدين الإسلامي " , إنه مفيد وخيرأنيس . ولقد اكتشفت في القرآن الكريم منقبة رائعة , فيها دلالة قوية على أن القرآن الكريم من أسرارالوجود , ذلك هوالخبر الذي أتحفنا الله تعالى به , وهوجل وعزيتكلم عن رحلة ذي القرنين الفتحية , وأنه عرف خلالها عينا حميئة عندما بلغ المغرب , وهي المعروفة اليوم بحمة " مولاي اعقوب " الساخنة , والتي يقصدها الناس للشفاء من الأمراض الجلدية المتعفنة , قال تعالى :"حتى إذا بلغ مغرب الشمس , وجدها تغرب في عين حميئة , ووجد عندها قوما ..." ولعل هذا القوم ممن قصدها للاستشفاء , والله تعالى أعلم . على كل حال , فإن القرآن الكريم كلام إلهي عظيم , لم يلحقه تحريف ولا تزوير , لشدة المراقبة , وكمال الحراسة , والإعانة الربانية , قال تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " . عبداللطيف سراج الدين