في هذا الشريط الوثائقي الذي تنقلنا في تصويره بين مدن فاس ومراكش والمحمدية والدار البيضاء، التقينا بمجموعة من المصابين بمرض "جفاف الجلد المصطبغ" والذين يطلق عليهم اسم "أطفال القمر"، هو مرض وراثي نادر يكون فيه الجلد وقرنية العين حساسين جدا للأشعة فوق البنفسجية، كما يطور بعض المصابين مشاكل في الجهاز العصبي.
ويعتبر مرض "جفاف الجلد المصطبغ"، مرضا وراثيا نادرا، تم اكتشافه لأول مرة سنة 1870 بالعاصمة النمساوية فيينا، من طرف طبيب يدعى "موريتز كابوسي".
ويعرف الأشخاص المصابين بهذا المرض، بمظهرهم الخارجي، حيث يغطى جسدهم وجههم بشكل خاص بنقاط بنية اللون، تتحول إلى خلايا سرطانية كلما تعرضوا لأشعة الشمس. ويبقى السبب الرئيسي للإصابة به، حسب الأبحاث الطبية هو زواج الأقارب، مما يعني أن الطفل يصاب به عندما يحمل نسختين من الجين المسبب له، واحدة من الأب والثانية من الأم، وينصح الأطباء بتفادي مثل هذه العلاقات الأسرية قدر المستطاع.
في أوروبا والولايات المتحدة يتم تسجيل من 1 إلى 4 حالات فقط لكل مليون حالة، فيما يعتبر المرض أكثر شيوعا في اليابان ودول المغرب العربي، إذ تضم المنطقة المغاربية، بما فيها المغرب أكبر تجمع في العالم لأطفال القمر، وتُرَجِّح التقديرات -نظراً لغياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة- وجود أكثر من 3000 إصابة بهذا المرض في شمال إفريقيا أي ما يمثل نصف الحالات العالمية"، إذ يؤثر هذا المرض على "واحد من كل 10 آلاف شخص- أي أكثر من 10 أضعاف المعدل في أوروبا وحوالي 100 ضعف المعدل في الولايات المتحدة" حسب كينيث كرايمر الدكتور والباحث في المرض بمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية.
ويمكن تشخيص هذا المرض، في السنة الأولى أو الثانية للرضيع، وفي بعض الأحيان في مراحل متقدمة، ويمكن أن تظهر أعراضه على مستوى الجلد وفي بعض الأحيان على السمع والبصر، لكن يمكنها أن تظهر أيضا على مستوى الدماغ، حيث يؤدي إلى تؤخر وتدهور عقلي، بدون ظهور أي علامات على مستوى الجلد، كما هو الحال بالنسبة للطفلة فاطمة بونيكس التي تظهر أيضا في هذا الوثائقي.
وعند تشخيص المرض، يبقى من الضروري على الشخص المصاب به تفادي أشعة الشمس، إذ تؤدي الاشعة فوق البنفسجية إلى تلف في المادة الوراثية "دي أن أي" في خلايا الجلد، التي يقوم الجسم في الحالة الطبيعية بإصلاحها، إلا أن الامر يختلف لدى مرضى "جفاف الجلد المصطبغ"، ولا يقوم الجسم بإصلاحها، وكنتيجة لذلك يصبح الجلد هش ورقيق، وبالتالي يظهر عليه احمرار في الوجه ونقط بنية اللون.
وفي ظل غياب علاج للمرض، تبقى الوقاية الحل الوحيد لعدم تطور وانتشار النقط البنية الأكثر، إذ كلما زاد انتشارها كل ما أدى ذلك إلى ظهور خلايا سرطانية، تجعل المصاب يعاني باستمرار وتؤدي به إلى الوفاة في سن مبكرة.
وينصح الأطباء باتباع عدة خطوات وقائية، أهمها عدم التعرض لأشعة الشمس، وفي حال الاضطرار إلى ذلك، ينصح بارتداء قمصان طويلة الأكمام وسراويل طويلة، وارتداء نظارات شمسية تحمي من الأشعة فوق البنفسجية، واستخدام واق من الشمس بمعدل حماية مرتفع، ووضع قناع خاص بهذا المرض.
لكن هذا القناع غير متوفر في المغرب، ويتطلب شراؤه من الخارج ثمنا باهظا، ويصل ثمنه إلى حدود 30 ألف درهم، ويتم تصنيعه من طرف الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية "ناسا".
والوقاية لا تقتصر على تجنب ضوء الشمس، بل يجب عدم التعرض أيضا لضوء النوافذ أو المصابيح الفلورية، وفي هذه الحالة ينصح باستخدام مصابيح خاصة تعرف اختصارا بـ "LED ".
وتجد العديد من الأسر المغربية نفسها عاجزة عن توفير تكاليف الوقاية لأبنائها، الذين يحرمون من أبسط الحقوق، كالدراسة واللعب وغيرها، في ظل غياب الرعاية الخاصة بهم، وخاصة الأشخاص المتواجدين بالمناطق النائية، عكس المصابين به في الدول المتقدمة، علما أنه كلما توفرت الوقاية لهؤلاء الأطفال كلما زادت فرصتهم في الحياة.
وأمام هذا الوضع تحاول مجموعة من الجمعيات، التخفيف من معاناة الأسر والأبناء، عن طريق توفير الأدوية الواقية وغطاء النوافذ والمصابيح والأقنعة، بالإضافة إلى الرعاية النفسية، كما تحاول هذه الجمعيات التعريف والتوعية بالمرض لتغيير النظرة النمطية للمجتمع اتجاه المرضى.