بعض الأشخاص يجدون أنفسهم مجبرون وغير مخيرين على العيش بعيدا عن أسرتهم، حيث تشاء الأقدار أن يجد البعض نفسه من دون مأوى وهو في سن مبكرة، فيعيش حياة التشرد، وتنتشر هذه الظاهرة خاصة في كبريات المدن، حيث تتغدى في نموها وتكاثرها من أحزمة البؤس والظلم والإقصاء، فيتحول الضحية الذي لا ذنب له سوى أن الظروف جعلته من دون بيت يأويه، مصدرا للإزعاج في نظر الكثيرين.
ويصير هذا الشخص فاقدا للأمان والحماية، ويعيش من دون أهداف، ويصبح تفكيره محصوراً فقط على نقطة واحدة، ألا وهي تأمين قوته اليومي ومكان يقضي فيه ليلته، لكن وإن كان هذا حال الكثيرين، فإن البعض منهم استطاع أن يجد مكانا يحتضنه ويبني فيه حياته، تاركا وراءه كل الذكريات التي جعلته بعيدا عن أسرته التي كان من المفترض أن يتربى وسطها.
ومن بين هؤلاء، نزلاء سابقون بالخيرية الإسلامية بعين الشق بالدار البيضاء، التي احتضنتهم بين جذرانها وعوضتهم عن حنان الأم الذي غالبا لايعوض، وجعلت منهم أشخاصا ناجحين، قبل أن يتم الإجهاز عليها في رمشة عين، حيث قررت سلطات الدار البيضاء هدمها في 7 من شهر مارس سنة 2016.
واحتج على هذا القرار عليه النزلاء الذين كانوا بها، كما احتج عليه النزلاء السابقون الذين بدلوا ما في وسعهم من أجل ثني السلطات عن قرارها لكن مجهوداتهم لم تؤت أكلها، وسويت البناية التي كانت تمتد على ست هكتارات بالأرض.
وفي هذا الوثائقي يدعوا نزلاء سابقون بهذه الخيرية التي تعتبر واحدة من أقدم المؤسسات الخيرية بالمغرب، إلى التخلص من الأفكار النمطية السائدة عن "الخيرايات" في المجتمع، ويؤكد هؤلاء أنهم يحنون إلى الماضي، ويحرصون على الالتقاء فيما بينهم في كل المناسبات من أجل استحضار الذكريات، والعودة بالذاكرة سنوات طويلة إلى الماضي، هذا الماضي الذي لا يردون له أن ينسى، ويتشبثون به ولا يملون من الحديث حوله.
ولكل شخص منهم قصة مختلفة مع السبب الذي جعله يدخل الخيرية، فمنهم من اضطر لذلك، بعدما وجد نفسه من دون سقف يحتمي به من حر الصيف وبرد الشتاء بعد فقدان والديه، ومنهم من أدت به المشاكل والخلافات العائلية إلى طرق باب المؤسسة، ومنهم من قاده الفقر إليها.
لكن سرعان ما ولجوا بابها وتجلت أمامهم الحقيقية، ووجدوا بداخلها خلاف ما كان يروى عنها وعن دور رعاية الأطفال، اندمجوا فيما بينهم وصاروا يعتبرون النزلاء عائلتهم، ولا يزال الود والإخاء بينهم إلى اليوم رغم أن كل واحد منهم اختار سلك درب مختلف عن الآخر بعد مغادرتهم لها، فمنهم من أصبح محاميا ومنهم من صار مديرا أو أستاذا، ومنهم من اختار مزاولة المهن الحرة...فهؤلاء النزلاء القدامى ينظرون إلى الماضي ومحياهم يملأه الفخر ولسان حالهم يقوم "نعم نحن أبناء الخيرية وما العيب في ذلك".
ويبقى دور الخيريات مهما داخل المجتمع، وحسب آخر مسح رسمي أجري سنة ألفين وسبعة عشر، فإن عدد مؤسسات الرعاية الاجتماعية المنتشرة في المغرب يبلغ 1151 مؤسسـة، تتكفل حسب طبيعة التدخل إما بالأيتام أو بالمحتاجين أو بالنساء أو بالمسنين أو بالأطفـال المهمليـن أو بالأشخاص في وضعيـة إعاقـة أو بالأشخاص بدون سكن محدد أو غيرهم من الفئات في وضعية صعبة.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لهذه المؤسسات حوالي 104 آلاف شخص، لكنها تؤوي أكثر من 136 ألف شخص، أي أن معدل الاستيعاب يصل إلى 130 في المائة.