دفع حب نادية طومان، لبلدها المغرب وغيرتها على الموروث الثقافي للمملكة، إلى تأسيس جمعية في فرنسا، تدافع من خلالها على التراث والتقاليد والهوية المغربية.
ولدت نادية في فرنسا لوالدين ينحدران من مدينة تاونات، وحصلت على دبلوم في المعلوميات بمدينة نانسي، لتنتقل إلى العاصمة باريس التي اشتغلت بها لمدة ثمان سنوات، قبل أن تقرر الانتقال رفقة زوجها وأولادها إلى منطقة لورين، التي تشتغل بها حاليا مسؤولة في المعلوميات.
ومنذ صغرها وهي مولوعة بالتقاليد والتراث والتنوع الثقافي للمغرب، إذ كانت تحاول إشباع رغبتها في الاطلاع على كل ما له علاقة ببلدها الأم، عبر الإبحار في الانترنيت، والاطلاع على ما يكتب بهذا الخصوص.
وقالت نادية البالغة من العمر 46 سنة، في حديثها لموقع يابلادي "دائما ما كنت أتصفح المدونات من أجل البحث عن وصفات مغربية، وعند تصفحي للتعاليق، ومعظمها من الجيران المغاربيين، كنت أجدهم ينسبون تلك الأكلات إليهم، مع أننا نعلم جيدا أنها أكلات مغربية".
وواصلت "كبرت وترعرعت في حي مع مهاجرين من تونس والجزائر، لذا أعلم جيدا الأكلات التي يشتهرون بها".
وكانت تلك التعاليق تترك غصة لدى نادية، رغم أنها كانت تحاول تجاهلها. وبيقت الأمور على حالها إلى حدود سنة 2018، وقالت "عند مشاهدتي، على منصة يوتيوب برنامجا تلفزيونيا بثته قناة "فرانس 2" سنة 2016، تظهر فيه سيدة جزائرية تتحدث عن المطبخ الجزائري، وقدمت "الباستيلا" على أساس أنها من الجزائر، ورغم تدخل يان أرثوس-بيرتراند، (رسام، ومصور، ومخرج أفلام، وصحفي، وكاتب سيناريو فرنسي) الذي كان ضيفا على البرنامج، حيث أشار إلى أن الأكلة مغربية، إلا أنها أجابته قائلة: لا أنا أصر على أنها جزائرية".
"انطلاقا من هذه اللحظة انتابني، شعور غريب، قلت مع نفسي بصفتي مغربية، أنا ملزمة بتوضيح الصورة، وتعرفت على مجموعة من المغاربة المقيمين أيضا في أوروبا، الذين أتشارك معهم نفس الإحساس، وقمنا بإنشاء مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي".
وكانت المجموعة تهدف إلى عدم ترك الساحة أمام مواطني دول أخرى لنسب تراث المغرب إليهم مستغلين عدم إلمام كثير من المواطنين الفرنسين ومواطني دول أخرى بتقاليد وتراث المغاربة.
وأوضحت أنه "شيئا فشيئا بدأنا نكتشف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وجود دعاية كبيرة تمس موروثنا كالقفطان وأملو وغيرها. كنا نحس وأن هويتنا تسلب منا". وواصلت "في البداية لم نكن نعلم ما بوسعنا فعله، لمواجهة هذه الدعايات، هل علينا أن نتواصل مع وزارة الثقافة المغربية أم ماذا؟".
آنذاك اقتنعت المهاجرة المغربية، بضرورة تجاوز العالم الافتراضي في الدفاع عن الموروث الثقافي المغربي والخروج إلى أرض الواقع، وقالت "أدركت أنه علينا تأسيس جمعية، وفي سنة 2021، خرجت إلى الوجود وأطلقنا عليها اسم moroccan heritage".
"كنت أتوصل بمجموعة من الرسائل التي تهددني، بل حاول البعض التواصل مع مديري في العمل من أجل طردي، حاولوا القيام بكل شيء من أجل إسكاتي، قلت مع نفسي أحب بلدي كثيرا لدرجة أنني مستعدة للمخاطرة، طالما أنني لا أقوم بشيء سيء ولا أستهدف أي شخص، كل ما أحاول القيام به هو الدفاع عن موروثنا".
وتضم الجمعية عشرات من المغاربة، بعضهم يفضلون العمل في الخفاء، وأكدت نادية أنهم يحاولون "القيام بما في وسعهم لإعطاء صورة جميلة عن بلدنا في مجموعة من المناسبات".
وخلال تسجيل طقوس الحناء في اليونسكو عام 2023 كتراث ثقافي للعديد من الدول من بينها المغرب، قامت الجمعية "بالتدخل خلال نشر اليونسكو لصورة تمثل طقوس الحناء في المغرب، رأينا أنها ليست صورة جميلة تمثل طقوسنا، وقمنا بالتواصل مع وزارة الثقافة في المغرب، ونجحنا في تغيير الصورة، واستبدالها بصورة جديدة تبرز بشكل أفضل الثقافة المغربية".
ومؤخرا قامت الجمعية بإطلاق عريضة موجهة إلى منظمة اليونسكو "للتعبير عن قلقنا العميق بشأن الحاق فيديو وصورة مضللة لقفطان "النطع" الخاص بمدينة فاس المغربية وإدراجه في الملف المقدم من طرف الجزائر الى منظمة اليونسكو. هذا الوضع يثير قلقا جديا بشأن صون التراث الثقافي والإرث الحضاري لكل مجتمع من كل أشكال الاستيلاء الثقافي".
واستنكرت الجمعية في عريضتها "محاولة إدراج قفطان النطع الفاسي في ملف يخص الكندورة والملحفة لدولة أخرى" داعية اليونسكو إلى "دراسة هذه المسألة بعناية واتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح الملف المقدم من الجزائر"
كما تم توجيه هذه العريضة، التي حظيت بتوقيع أكثر من 39 ألف شخص، إلى أندري أزولاي، وفاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية، وأيضا إلى وزير الشباب والثقافة، مهدي بنسعيد، لأننا نعلم أنه سيتم التفاعل أكثر مع هذا الملف إذا ما تم تبنيه من طرف مسؤولين مغاربة".
كما حظيت هذه العريضة بانخراط جمعية Timendotes التي تخذ من بروكسيل مقرا لها، بالإضافة إلى مركز الثقافة اليهودية المغربية (CCJM)، الذي يرأسه بول دهان.
وأكدت نادية أن الجمعية محتاجة إلى العمل مع جمعيات أخرى مهتمة بنفس المجال، كما أنها محتاجة إلى مساعدتها من قبل باحثين ومؤرخين مغاربة يحملون نفس الهموم.