ويمضي العام ، كقطار فائق السرعة ،والإصلاحات تظهر وتغيب مترددة و بطيئة..ونحن لا زلنا في ساحات الاحتجاج نغزل اليأس ، ولا زلنا نتابع باستمتاع السكيتشات الشعبوية لنخبتنا السياسية ، ونتفرج صامتين على أطوار مباراة مشوقة ، يسيرها حكم منحاز، بين حكومة منتخبة وفريق من العفاريت ..
انتهى العام سريعا ، والأوقات الممتعة تمر بسرعة ..فقد كان عاما مسليا حافلا بالفرجة والعبث ، ففيه شاهدنا وزيرا يمنع نشاطا حزبيا لرئيس الحكومة، ومديرا يرفض تنفيذ دفاتر الوزارة الوصية ،ومدربا يتقاضى الملايين مقابل الهزائم ،ولصوصا يجرون فاضحيهم الى القضاء، وزعماء أحزاب تحولوا الى نجوم في الفكاهة ،وبرلمانية جميلة تتغزل في رئيس الحكومة ..وفي هذا العام المتميز، أغنينا رصيدنا اللغوي بالمزيد من المصطلحات السياسية البذيئة، وأضفنا لمعلوماتنا بأن مدارسنا أحسن من مدارس أمريكا، وسجوننا لا مثيل لها في فرنسا.. وفي هذا العام تأكدنا بالدليل الشبح والغير الملموس بأن أخطر معارض للحكومة ،هو حزب جديد شعاره التمساح وأعضاءه العفاريت .
سيرحل العام ، ولا مسؤول سامي رحل من مكانه ..ولاشبح كشف عن نفسه ورفع عن رأسه طاقية الاخفاء ، ولا عفريت طردناه من دواخلنا ..لا زالت الأرواح الشريرة تسكن كراسيها وتبسط نفوذها وتشتت الأوراق وتربك الحسابات بعصاها السحرية .. ولا زال رئيس الحكومة المنتخبة كريما في تقديم التنازلات ويتقشف في ممارسة سلطته الدستورية .
عام سيأتي ، والتغييرالمنشود لم يأت ، تحايلوا علينا بوثيقة فضفاضة و بدفاتر، وحبر وورق ، ووعود ظلت حبرا على ورق ..أوهمونا بربيع مختلف ودستور مختلف وبوطن استثنائي ، فأفقنا من حلمنا الثوري الطيب؛ على كوابيس الاستثناء في الدرجات المتدنية لمؤشرات التنمية و التعليم وحقوق الانسان وحرية التعبير والنزاهة والشفافية ..
مر العام ، ولا زال المرور الى التغيير الديمقراطي عسيرا ، لا زلنا أوفياء لعبوديتنا المتوارثة وطقوسها المقدسة .. ولا زلنا متمسكين بأهداب الأعراف القديمة ، و نؤجل تنزيل كرامتنا،ونرفض بإرادتنا ورضانا أن نتحول من مجرد رعايا وزبناء وأصوات انتخابية، الى مواطنين حقيقيين..
مضى العام ،ونحن نمضي الى الماضي الرصاصي بكثير من النشوة والحنين ، ونعيد استنساخه بأساليب مبتكرة في شباب الحراك ، ونعتقل الأزهار داخل لفائف الحشيش ،ونطفئ شعلة الحرية بكعب حذاء أمني ، ونخرس صوت الحق بملفات سرية وعلنية..
ومر العام بطيئا كلحظة الفراق ، فارغا كصفحة بيضاء ، وصامتا الا من صخب شعبوي ، ومستفزا كفاصل اشهاري طويل وسط فيلم حركة مشوق عنوانه " الربيع " .. نلتقي بعد عام ،- أريد أن أقول - نلتقي بعد الفاصل .