فمنذ أكثر من ثلاث سنوات وهي تغرق في وحل أزمة اقتصادية خلفت، إلى الآن، حوالي 6 ملايين عاطل عن العمل، وإقفال آلاف الشركات والمقاولات.
جرب جيراننا كل الوصفات بلا جدوى. رفعوا الضريبة، فقلّ الإنفاق. سرحوا العمال، فأفلست الأبناك. خفضوا من نفقات الدولة فعم الركود. طلبوا قروضا من أوربا فاقت 100 مليار دولار فابتلعتها الأبناك المفلسة، التي أصبح الإسبان يطلقون عليها نكتا سوداء مثل تلك التي تقول: «ليس اللص من يسرق بنكا بل من يؤسس بنكا»... وصلت الأزمة في شبه الجزيرة الإيبيرية إلى اللحم، والآن تقترب من العظم. الكاطلانيون، الذين كانوا دائما معتزين باقتصادهم وقوتهم ولغتهم، مروا إلى السرعة القصوى واستغلال ظروف الأزمة للمطالبة بـ«الاستقلال» تحت مبرر أن الكاطلاني لا يمكن أن يصرف على الأندلسي في الجنوب. تدخل الملك، خوان كارلوس، هذه المرة بعد أن توارى عن الأنظار لمدة بعد فضيحة صيد الفيلة في أدغال إفريقيا، وبعث برسالة إلى الشعب الإسباني يواسيه فيها، ويطلب منه الصبر، وتذكر روح الانتقال الديمقراطية في أواخر السبعينات، والتي كانت وراء قصة نجاح إسبانيا الحديثة.
لا اليسار نجح في القفز على حواجز الأزمة، ولا اليمين لديه حلول سحرية… الجميع يجرب كل الأدوية الموجودة في الصيدلية، عل واحدا منها يعالج هذا المرض الذي ضرب العقار، ثم انتقل إلى الأبناك، ومنها إلى سوق الشغل… آخر الحلول التي فكرت فيها حكومة اليميني راخوي لإنقاذ قطاع العقار، حيث تتكدس مئات الآلاف من المنازل في سوق كاسد، هو منح الإقامة للأجانب بمجرد شرائهم لمنازل في إسبانيا تفوق قيمتها 160 ألف دولار… طبعا المستهدف من هذا «المنتوج» الجديد هم المغاربيون والأفارقة الذين يطمع الأثرياء منهم، وحتى جزء من الطبقة المتوسطة، في وضع رجل في أوربا في ظل تزايد عدم الإحساس بالأمان والاستقرار في بلدانهم.
الغريب أن تأتي هذه المبادرة من صفوف اليمين الإسباني الذي عرفت عنه الإصابة بالحساسية المفرطة من الأجانب، وخاصة المسلمين، لكن للخروج من الأزمة ولإنعاش سوق العقار لا بأس من سياسة تسويق جديدة.. أوراق الإقامة في فضاء «شنغن» مقابل شراء منزل في إسبانيا.
مع ذلك هي فكرة ذكية، ويمكن أن تدفع العديد من المغاربيين والأفارقة والعرب إلى شراء بيوت رخيصة في أوربا، وفوقها أوراق إقامة تقي صاحبها من مشقة الوقوف في طابور كبير أمام سفارات الدول الأجنبية. الآن الكرة في ملعب حكومات البلدان المستهدفة من وراء «فرار» رؤوس أموال كبيرة ستذهب لتتجمد في عقار قد لا يستعمله صاحبه وقد لا يتمكن من بيعه لسنوات قادمة.
نحن في المغرب لدينا أجانب عرب يملكون شققا ومتاجر وشركات، وبعضهم مليارديرات، لكنهم يضطرون كل سنة إلى الوقوف في باب العمالات والولايات ووزارات كثيرة للحصول على إقامة عمرها سنة واحدة لا أكثر. دعك من الجنسية، فهذا مراد لا تبلغه إلا القلة النادرة، وكأننا بلاد نفطية تغدق على حاملي جنسيتها، وبالتالي تتشدد في منحها لمستحقيها.
لقد فرت رؤوس أموال كثيرة من المغرب فقط لأن وزارة الداخلية عندنا مازالت مسكونة بعقلية أمنية قديمة. تشدد الخناق على الأجانب، وخاصة العرب والأفارقة والآسيويين، في الوقت الذي نعيب فيه على أوربا تشددها مع مهاجرينا الذين يتمتعون بحقوق لا يحلم بها الأجانب في بلادنا.