نقاش ايكس ليبان وعبد الهادي بوطالب
قدم عبد الهادي بوطالب بعض الملاحظات في كتابه "ذكريات... شهادات... ووجوه... الجزء الثاني:
- كان الوعد بألا ينظم على شكل مائدة مستديرة، بل نظمت اللجنة الوزارية (الفرنسية)اتصالات مباشرة مع كل هيئة على انفراد.
- استخلاص اللجنة الوزارية للنتائج دون الإعلان في النهاية عن ملتمسات أو قرارات، ولا عن بلاغ مشترك (سيستنتج بوطالب: أن المؤتمر لم ينعقد قط).
- وصف بوطالب مجموعة من المغاربة التقليديين من باشوات وقواد بأن توجهاتهم السياسية منحرفة، وبخروجهم عن الإجماع الوطني أصبحوا فرنسيي الروح، متنكرين لمغربيتهم، وذلك فقط من أجل الحفاظ على المنافع التي أغدق الاستعمار الكثير منها وأصبحوا سجينين لها...
وسيقدم بوطالب ملاحظة واضحة نلخصها في فكرتين:
- النقاش الجاري، طبعه جو من الانفراج، يؤذن بإمكان الوصول إلى اتفاق.
- بالنسبة للتقليديين لم يفرزوا أرضية للنقاش لأنهم لم يكونوا متفقين على شيء. هؤلاء أبانوا فقط على ترديد ما أوحت به إليهم الإقامة العامة.
ونلاحظ تفاؤل بوطالب من مجريات وقائع ايكس ليبان لا سيما فيما يخص الحزبين الوطنيين. هو يرى أن المحادثات كانت على انفراد، أي مع كل جهة على حدة. فكيف لبوطالب أن تتوفر له معطيات عن المحادثات التي جرت ليحكم على موقف حزب الاستقلال وغيره من الفرقاء المغاربة. وأخطر من هذا، فقد أعلن "أن مؤتمر ايكس ليبان لم ينعقد قط". تم تحدث عن تلقين الإقامة العامة لبعض المغاربة ما سيدلون به، في الوقت الذي امتنع المقيم العام كرانفال عن حضور هذه المحادثات رغم إلحاح الوزير الأول ادكارفور.
ونذكر أن بوطالب لخص مجريات ايكس ليبان في قوله (بوطالب: ذكريات... شهادات... ووجوه... صفحة 575) كان يراد به "ألا يكون بين الفرقاء المتحالفين على طريقة تسوية قضية العرش كما حضرت له الحكومة الفرنسية وكما طمعت فيه أن يكون، لتظهر بذلك بمظهر الحكم المحايد النزيه (...)
وأوضح بوطالب أن حزب الشورى وحزب الاستقلال نسفا ما كانت ترمي إليه فرنسا. وقد حكى كذلك عن ذهابه ضمن وفد الحزبين الوطنيين إلى انتسرابي (بوطالب: ذكريات... شهادات... ووجوه... صفحة 586): "كان جلالته يركز على عدم التساهل في صيانة السيادة، وعلى استهداف الاستقلال، وألح على ألا نشترط عودته إلى العرش للمشاركة في الحكومة الوطنية، مذكرا بأن عودته آتية لا ريب فيها، ولكنها لا يجب أن تعرقل المفاوضات التي كان يعتقد أنها ستحقق عودته فيما ستحققه للمغرب من تطلعات. (بوطالب: ذكريات... شهادات... ووجوه... صفحة 580).
بوطالب نفسه يشكك في محادثات ايكس ليبان، لكن لا ينكر أنها جرت إلى البحث عن الحل في انتسيرابي، دون أية إشارة إلى تخوفات الفرنسيين من قيام تنظيم مسلح، ولا إلى ما كان يروجه أو يطلع عليه قائد حزبه الوزاني من خلال علاقاته الوطيدة بابن عبد الكريم في القاهرة أو عن طريق المراسلات... وينسى بوطالب أن ما كاله من انتقاد للتقليديين لا يبدو أنه كان في وضع أحسن منهم. والقليل مما أشرنا إليه يوضح ما نرمي إليه...
أخبار استعدادات ج ت تقود لتجمع ايكس ليبان
أخوف ما يخيف في مقاربة الأحداث، هو أن نسير على نهج أولئك الذين كان سعيهم إلى استبعاد جيش التحرير عنها، وإلقاء كفاحه تحت ظلال كثيفة، أو محاولة دفنه في المهد، مع إحاطة "ايكس ليبان" بهالة، اختلف حولها العديدون، أريد بها فقط وضع جيش التحرير تحت غطاء المجهول، وهذا ما لم يتحقق أبدا لأنه بعد شهر سينطلق في جبال الريف والأطلس المتوسط الشمالي، ويغنم مئات من قطع السلاح، والآلاف من قطع الذخيرة التي ستسمح له:
- بإعلان وجوده كقوة لها كلمتها المسموعة، ويتجلى ذلك في كون الجميع مالوا إلى الصمت. وحتى الحزب "الثرثار" أعلن أحد قادته في الإبان عدم اتفاقه مع ما يحدث في الجبال، كما حذر بعضهم في بداية صيف 1955، الإقامة العامة بالاستعدادات الجارية في الجبال البربرية لشن حرب تحريرية. أـما الحزب "الصامت"، فلم نسمع لأهاليه تعليقا وازنا في الإبان باستثناء مراوغاته في ربيع 1956 التي أودت بأحد رموزه.
- طيلة شهور القتال لم نسمع شيئا، ولم يكتب أحد عن مجريات اللجن المتمخضة عن ايكس ليبان.
- هذا ما يجعلنا نميل إلى أن "مهرجان ايكس ليبان" جاء فقط للتمويه أو التغطية عن الاستعدادات وسط قوات التحرير، أو على الأقل معرفة من مع أو ضد. ولا شك أن فرنسا أرادت أن تطمئن إلى أن الجهات البارزة سياسيا في البلاد، هي في صف الساعين إلى الاستقلال سلميا، وبهذا تستطيع مواجهة الأطراف الأخرى المقاتلة وقد ضمنت استبعاد أطراف عديدة.
ونلمس هذا الموقف لدى ج ت من خلال مواقف متخاذلة لدى العديد من الجهات. ألم يتحدث كرانفال عن الاستقلاليين والشوريين بداية أحداث وادي زم، الذين ابانوا عن أسفهم العميق لما جرى، لكنه تدارك الموقف فعلق على الحدث بقوله: لإن هؤلاء قد تكون لهم يد في دفع هذه الجهات للتمرد، ليتراجع شيئا ما إلى الوراء، فيقول: حتى لو فعلوا فإنهم لم يكونوا يعتقدون أن الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه.
- لا شك أن المواقف التي انتهجها كل الأطراف المغربية الحاضرة في "ايكس ليبان"، فيما بعد، تجاه جيش التحرير، تؤكد لنا أن الاستعدادات كانت في الغالب الأهم لكبح جماح حركة ثورية مسلحة في الجهة الغربية من شمال افريقيا، خوفا من أن تأخذ مسار الثورة المشتعلة منذ شهور بالأراضي الجزائرية.
أضف إلى هذا أن الأمر كان يتعدى هذا الاستنتاج، إلى ما هو مثير، حيث كان حضور المصريين لافتا للأنظار سواء تعلق الأمر بما يتداول حول وصول أسلحة إلى شمال شرق المغرب، أو تدخلات عبد المنعم النجار، الملحق العسكري بمدريد، تجاه جهات مغربية، دون نسيان تصريحات عبد الكريم الخطابي المنددة بالاستعمار الفرنسي. ولا سبيل للتخلص منه إلا بالكفاح المسلح، إلى جانب عودة الإسبان إلى غض الطرف عن تحركات اللاجئين في الشمال.
إن إحباط بناء كثير من الخلايا بالأطلس المتوسط والكبير (أواخر 1954 وأوائل سنة 1955) وقيام العديد من العمليات الفدائية في مختلف المناطق الحضرية، وانتشار اللاجئين في الشمال والجنوب، وورود معلومات استخبارية عن تحركات عناصر في الشرق الأوسط بدعم من الخطابي وبعض الأنظمة، إلى جانب قيام ثورة الجزائر، ستجعل الفرنسيين في قلق دائم، وهم يحصون الأنفاس وسط ربوع المغرب لا سيما بعد انتشار أخبار عن دخول السلاح وظهور بوادر نقل قطعه إلى الغرب الجزائري، ودون شك فجزء منه قد يستعمل داخل المغرب لا سيما وأن الإسبان لم يكونوا على وفاق مع الفرنسيين... إذن لابد لهم من البحث عن صيغة لاحتواء هذه التهديدات المختلفة.