القائمة

الرأي

المهاجر في انشغال الملك

أكد جلالة الملك في خطاب العرش لهذه السنة، بأنه قائد بلاد، يعي بأنه في مرحلة انتقالية جد مهمة في تاريخه، وبذلك يستوجب الحرص الدقيق والمتواصل والمستمر على ما يدور فيه.

 كما أكد هذا الخطاب التوجه الإجتماعي للملك وحرصه على التضامن مع المهمشين، سواء أكانوا بشرا أو مناطقا. باهتمامه الإجتماعي هذا يقدم الحجة بأنه ليس ملك "الأغنياء" فقط، بل ملك كل المغاربة، وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه لحبه من طرف شعبه، وهو حب ليس فيه أي قهر ولا فرض ولا تلاعب بمشاعر المحكُومين، بل آت من اقتناع عامة الشعب، بأنه مُني بالملك المناسب في زحمة أوضاع دولية، أقل ما يقال عنها أنها قاسية ولا ترحم، وإذا لم يكن الملك في طليعة الثورة الشعبية، وهذا ما يضمن للمغرب مكانه ومكانته بين الأمم، فقد نصبح شعبا لا يستفيد من أخطاء الآخرين ولا يتعلم من حكم التاريخ المعاصر، وبالخصوص في شقه الإقتصادي والسياسي والإجتماعي؛ بل قد تعبث بنا يد خبيثة وتوصلنا إلى هاوية التاريخ.

لهذا، إذا كان الملك ملتزم بقضايا شعبه، وحريص على تقدم هذا الوطن اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، فلابد لأفراد هذا الشعب من تحمل مسؤولايتهم كذلك، وعدم الإرتكان إلى منطق النقد المجاني الرخيص والتحلي بالنقد الذاتي، وعدم الإكتفاء بهذا الأخير، بل محاولة تغيير أنفسنا بما فيه خير الجميع.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

بما أننا من أفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج، وبما أن الملك خصص حيزا لا يستهان به في خطابه لهذه الفئة من المواطنين، فإن خطابه هذا لم يتركني غير مبالي، بل فرض علي الإهتمام به، لفهم الرسالة الموجهة لما وراء البحار. ما يثلج الصدر هو أن جلالته واع وعلى اطلاع بحال المهاجرين، كما أنه وضع النقط على الحروف في توزيعه للمسؤوليات وتشخيص الظاهرة، بل لم يعمم "سخطه" على كل القنصليات، وهذا ما يوحي بأن خارطة القنصليات التي كان يعنيها في خطابه واضحة المعالم عنده، وهي التي يريد، وبحق، التصدي لها.

وبما أن القنصليات قد أصيبت منذ هذا الخطاب بنوع من الإرتباك، وقد تخشى كل واحدة على نفسها من أن الخطاب يعنيها، فإن كلمة حق يجب أن تقال عن القنصلية المغربية بفيينا. أأكد من البداية بأنني لا أحاول من خلال كلمتي هذه التملق لهذه القنصلية أو رسمها على غير الصورة التي لديها في واقع المهاجر، كما أنني لا أعرف أي مسؤول فيها لا عن قرب ولا عن بعد، كل ما في الأمر هو أنني، بوصفي رئيسا للجمعية المغربية في الدول الناطقة بالألمانية، وهي جمعية مستقلة تمام الإستقلال، أتابع عن قرب خدمات القنصلية، وأأكد بنوع من الإرتياح أن الخدمات في المستوى المطلوب وبأن المواطن المغربي يُستقبل باحترام ويُخدم في أوقات قياسية بصورة إيجابية وبتسهيل للمساطر والإجراءات القانونية. كما أن الجالية في النمسا قد تعرضت في السنين الأخيرة لهجمة شرسة من طرف الحزب اليميني المعادي للأجانب، وكانت وقفة السفارة والقنصلية بفيينا، بتنسيق مع الكثير من أعضاء الجالية، موفقة، حوكم فيها السياسي العنصري بمحكمة نمساوية، ورد الإعتبار للجالية وللمغرب.

في العمق، جزء خطاب العرش المخصص للهجرة، هو وعي ملكي بأن سياسة الهجرة لم تأت بعد بأكلها، وبأن ماراطون الإهتمام بمشاكل المهاجر لم يقلع بالطريقة الصحيحة بعد. لا نريد أن نهاجم شخصا أو هيأة أو وزارة بعينها، بل نسجل بأن ملف الهجرة يُدرس في غياب تام للمهاجر، وهذا ما يُغيض ما يناهز خمسة ملايين مهاجر، ويحدث هذا النفور العلني من هذه السياسة، بل يسقط المرء في النقد المجاني الهدام والسلبي، عوض الإنخراط الواعي والمسؤول في النقاش السياسي الحالي حول الهجرة.

فكرة المجلس الأعلى للمهاجرين هي فكرة رائعة، كنا تطرقنا لها سنوات قبل إنشاء المجلس الحالي، بل اقترحناه على حزب يميني انتهازي، تركه في قمطر من قمطرات سياسته، وأخرجه في اللحظة المناسبة، بعد تعديل طفيف له. وقد وثقنا اقتراحنا هذا بنشره، بعدما تيقنا من سوء نية ذلك الحزب، في جريدة "الأحداث المغربية" بتاريخ 17 يوليوز 2000. المشكل هو أن الوزارة الوصية والمجلس المذكور يدركان بكامل الوعي مشكل المجلس المخصص للمهاجر، لكنهما يتجاهلان كل شيئ ويلتجئان للغة الخشب وإقصاء كل محاولة نقد بناء، كالتي نقوم بها الآن.

الواقع الفعلي هو أن المجلس الحالي مرفوض جملة وتفصيلا من طرف الجالية، وعوض التجاء الوزارة الوصية إلى دراسة ميدانية لتصحيح المسار، تُلح على ممارسات لا تزيد الطين إلا بلة. فاللقاء السنوي الإنتقائي لهذا المجلس، قبل عيد العرش، حيث تُصرف ملايين الدراهم على إقامة وأكل عينة من المهاجرين الإنتهازيين، مرفوضة مبدئيا، لأن ذاك المال الذي يُصرف لشراء الهمم والذمم قد يُصرف لصالح مشاريع تنموية في المغرب. فبوسع المهاجر الملتزم بقضايا فئته دفع كل مصاريف مثل هذه اللقاءات بنفسه، والكثيرون ممن حضروا مثل هذه اللقاءات عادوا لديار المهجر مستائين، بعدما فهموا "اللعبة". أصبح مفهوم: "الزردة السنوية لِلاَحِسِي الأحذية من المهاجرين"، مفهوما متداولا في أوساط المهاجرين، وهذا بالضبط ما يجب التصدي له، لأنه يرجعنا إلى منطق "وداديات" زمان ويبعث رد فعل دفاعي عند المهاجر.

لو لم تكن قضية الهجرة مهمة على الصعيد الوطني، لما كان جلالته خصص لها خطابات وتوجيهات عديدة. والجميل في الأمر أنه لا يقتصر على خطابات ويمر، بل يتابع عن كثب ما يقع وكيف تطبق تعليماته، ولهذا يعود كل مرة للموضوع، بل يراقب بنفسه مشاريع أخرى، وهذا بالضبط ما يضمن تحقيق هذه المشاريع. فالوعي الجمعي المغربي يعرف بأن بعض المسؤولين "كامونيين"، إذا لم "يُحكوا لا يطلقون رائحة". فاللهم قلل "كامونيينا" وأكثر "رائحتنا"، بما أن المقصود بهذه الكلمة هي تحمل المسؤولية اتجاه الذات، والمواطنين والوطن.

منبر

الدكتور حميد لشهب
عضو المجلس البلدي لمدينة فيلدكرخ النمساوية
حميد لشهب
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال