القائمة

الرأي

الدين للوطن و السياسة للجميع

قد يكون تاريخ 20 ماي 2014 اللحظة الفاصلة في علاقة الدين بالسياسة في المغرب، و هو التاريخ الذي أصبح فيه الظهير الشريف رقم 1.14.104 معروفا للعموم. إنه "يقنن" مهام المشتغلين مباشرة في المساجد و يحدد واجباتهم و حقوقهم المادية و المعنوية، كما أنه يتضمن نوعا من الإلتزام بأخلاق المهنة و عدم تجاوزها.

نشر
DR
مدة القراءة: 10'
لا نجادل في كون هذا التقنين من الأهمية بمكان، كما أن ضرورته أصبحت ملحة قبل أي وقت مضى، لوضع حد لاستغلال بعض المساجد، و بالخصوص تلك التي تملكها الدولة (أي الممولة مباشرة من المال العام)، في أمور غير دينية. سوف لن نستعرض مواد هذا الظهير و نعقب عليها، بل سنحاول أن نطبق إبستملوجية علوم القانون عليه و نسائل الخلفيات الإبستملوجية المؤسسة له؛ ليس بنية النيل منه، بل بُغية إضاءة أهم بعد في أي قانون، ألا و هو الهدف من إصداره و أية رسالة يحملها و لمن هو موجه.
 
تقول المادة الثانية من هذا الظهير: " تحدد أحكام هذا الظهير الشريف المهام التي يضطلع بها القيمون الدينيون بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، والتزاماتهم، وحقوقهم، والقواعد المطبقة على وضعياتهم. كما تضع آلية للنظر في شكاياتهم وتظلماتهم". و تضيف المادة الثامنة: " الالتزام بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة وما جرى به العمل بالمغرب". و هنا يطرح سؤال إبستيمولوجي جوهري: لماذا يتعلق الأمر بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فقط و لماذا الإلتزام بالمذهب المالكي فقط؟ بأي منطق قانون-وضعي لا يطبق هذا الظهير على كل أماكن العبادة بالمغرب، بغض النظر عن الدين؟ هل الإلتزام بالمذهب المالكي و العقيدة الأشعرية يعني أن مذاهب و عقائد مسلمة أخرى غير مرخص لها بإقامة شعائرها في المغرب؟ تعتبر هاتين المادتين إبستملوجيا إشكالية عويصة، لأنها تعقد الأمور أكثر من اللازم و تفتح المجال لتأويلات عديدة و قد تتناقض مع الهدف الأساسي لهذا الظهير، الذي يحاول في خلفيته الإبستيمية إعادة هيمنة الدولة على الحقل الديني و انفرادها بحق القرار في من له الحق في ممارسة شعائره. إذا كانت المادة الثانية تؤكد على "شعائر الدين الإسلامي"، ثم تقصي المادة الثامنة كل المذاهب الأخرى، فإن الرسالة واضحة لكل من يحلم ببلد متعدد دينيا و ثقافيا. تنظم المادة الثانية إذن شعائر المسلمين، و تغض النظر عن شعائر اليهود و المسيحيين، و كأن لسان حالها يقول بأن هذين الدينين لا يشكلان أي مشكل على البلد، بل تشخص المادة الثامنة "العدو الحقيقي"، المتمثل في كل مسلم غير مالكي و لا يلتزم بالمذهب الأشعري. أيمكن أن نستنتج من هذا على المستوى الدلالي بأن هناك نوع من الإنتقاء الديني في المغرب، هناك مجموعات دينية بعينها تتمتع بحقها في مزاولة أنشطتها و شعائرها، و أخرى مقصية؟ أيتطابق هذا مع طموح بناء دولة ديمقراطية تضمن لكل مواطنيها حق اعتناق و ممارسة الدين الذي يوافقهم، شريطة عدم فرض هذا الدين على الآخرين، كما تؤكد على ذلك منظومة حقوق الإنسان، الذي يعترف المغرب رسميا بها؟
 
يتضح الهدف الرئيسي لهذا الظهير من خلال كلام الوزير المكلف بوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، الذي تناقلته وسائل الإعلام في المغرب على نطاق واسع في بداية شهر يوليوز 2014، لشرح هذا الظهير. و نلمس فيه بوضوح كاف محاولة استيعاد انفراد الدولة بالمجال الديني في البلاد و رسم ما قد يسمى النموذج المغربي في هذا الإطار. و هو نموذج واضح المعالم، مبني على "الوسطية و الإعتدال"، يحاول انتشال الدين من السياسة و يوحي في أول وهلة بالتمييز بين الميدانين؛ و هو تمييز لا يوجد في الواقع الفعلي للمجتمع بالنظر إلى المادتين السالفتي الذكر. ما يستحق كل تأمل و تبصر هو تقديم أطروحة هيمنة الدين على السياسة و الرغبة الملحة في تحديد ميادين عملهما. و السؤال المطروح في هذا الإطار هو: من يحاول الهيمنة على الآخر في المغرب: الدين على السياسة أو العكس؟ حسب تصريحات الوزير المكلف بالميدان الديني يكون الجواب واضحا: " نخاف على السياسة من الدين". إن الهدف المعلن إذن هو حماية السياسة من الدين، و تقديم هذا الأخير كخطر على السياسة. لكن ألا يعتبر العكس هو الصحيح؟ أليست كل مأساة الإسلام هي استغلاله كمطية سياسية من طرف فاعلين سياسيين و نقابيين في كل البلاد المسلمة؟ مما يصعب فهمه إبستملوجيا هو التأكيد على "خطر الدين على السياسة" بنفس الطريقة التي يتم بها التأكيد على ضرورة الدين لتنظيم معين للمجتمع: " ونحن في حاجة إلى الدين في الحفاظ على الهوية الروحية والوحدة الوطنية للأمة، وقيمها التاريخية والحضارية، بعيدا عن الحساسيات الفئوية والمشاحنات التي تمس بقدسية وحياد بيوت الله". ألا تعتبر "الوحدة الوطنية" موضوعا سياسيا بامتياز؟
 
إذا كانت بعض المساجد في المغرب قد أصبحت بالفعل أبواقا لتيارات سياسية بعينها و التدخل المباشر لبعض الأئمة - حتى في خطب الجمعة- في السياسة، فإن هناك ميدان لا يقل خطرا، ألا و هو ميدان التربية الإسلامية في كل مستويات التعليم بالمغرب. و نعتقد بأن هذا الميدان يساهم مباشرة في مشكل تسييس بعض المساجد و أن بعض المعلمين و الأساتذة "لا يتهاونون" في المساهمة في هذا الأمر، كل بطريقته، إلى درجة تحول حصص التدريس إلى نوع من الدعاية لأفكار دينية معينة، تتنافى في عمقها مع المذهب المالكي المتبع في البلاد، و تساهم في راديكالية بعض التلاميذ. قد يقول قائل، بأن هذا ليس من اختصاص وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، و لا يحق لها أي تقنين في هذا الميدان. لكن المقصود هو أن "تخليق" ميدان الدين لا يأتي بثماره إلا إذا كان مشروعا متكاملا، تساهم فيه كل القطاعات، و بالخصوص قطاع التعليم. أعتقد بأنه ليس هناك في العالم بأسره بلد تم فيه "تسييس" و "تديين" الجامعة أكثر من المغرب، بكل ما يمثله ذلك من خطر، ليس على الدولة، بل على الأفراد و مستقبلهم، بل وعيهم و تفكيرهم. لا يوجد فرق في عرفنا بين "الجامع – المسجد" و "الجامعة"، فإذا كان المرء يحاول "طرد" السياسة من المحراب، فمن الضروري في اعتقادنا طرد كلا من السياسة و الدين من مدرجات الكليات. فالضحية الأول و الأخير هو الطالب، الذي لم يع بعد بأنه يُستغل كأداة لتحقيق أغراض بعض الأحزاب السياسية و الفرق "المتأسلمة"، و لم تعد الجامعة تَجْمَع على العلم و التحصيل و بناء مستقبل مهني و فكري، بل تفرق فيالق الطلبة إلى معسكرات. لا حرج إذا كان بعض الطلبة يريدون الإلتزام سياسيا و لربما دينيا، لكن يجب أن يتم ذلك في مقر الأحزاب، أكان توجيهها سياسيا أو دينيا، و ليس في رحاب الجامعة.

لا نجادل في كون هذا التقنين من الأهمية بمكان، كما أن ضرورته أصبحت ملحة قبل أي وقت مضى، لوضع حد لاستغلال بعض المساجد، و بالخصوص تلك التي تملكها الدولة (أي الممولة مباشرة من المال العام)، في أمور غير دينية. سوف لن نستعرض مواد هذا الظهير و نعقب عليها، بل سنحاول أن نطبق إبستملوجية علوم القانون عليه و نسائل الخلفيات الإبستملوجية المؤسسة له؛ ليس بنية النيل منه، بل بُغية إضاءة أهم بعد في أي قانون، ألا و هو الهدف من إصداره و أية رسالة يحملها و لمن هو موجه.
 
تقول المادة الثانية من هذا الظهير: " تحدد أحكام هذا الظهير الشريف المهام التي يضطلع بها القيمون الدينيون بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، والتزاماتهم، وحقوقهم، والقواعد المطبقة على وضعياتهم. كما تضع آلية للنظر في شكاياتهم وتظلماتهم". و تضيف المادة الثامنة: " الالتزام بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة وما جرى به العمل بالمغرب". و هنا يطرح سؤال إبستيمولوجي جوهري: لماذا يتعلق الأمر بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فقط و لماذا الإلتزام بالمذهب المالكي فقط؟ بأي منطق قانون-وضعي لا يطبق هذا الظهير على كل أماكن العبادة بالمغرب، بغض النظر عن الدين؟ هل الإلتزام بالمذهب المالكي و العقيدة الأشعرية يعني أن مذاهب و عقائد مسلمة أخرى غير مرخص لها بإقامة شعائرها في المغرب؟ تعتبر هاتين المادتين إبستملوجيا إشكالية عويصة، لأنها تعقد الأمور أكثر من اللازم و تفتح المجال لتأويلات عديدة و قد تتناقض مع الهدف الأساسي لهذا الظهير، الذي يحاول في خلفيته الإبستيمية إعادة هيمنة الدولة على الحقل الديني و انفرادها بحق القرار في من له الحق في ممارسة شعائره. إذا كانت المادة الثانية تؤكد على "شعائر الدين الإسلامي"، ثم تقصي المادة الثامنة كل المذاهب الأخرى، فإن الرسالة واضحة لكل من يحلم ببلد متعدد دينيا و ثقافيا. تنظم المادة الثانية إذن شعائر المسلمين، و تغض النظر عن شعائر اليهود و المسيحيين، و كأن لسان حالها يقول بأن هذين الدينين لا يشكلان أي مشكل على البلد، بل تشخص المادة الثامنة "العدو الحقيقي"، المتمثل في كل مسلم غير مالكي و لا يلتزم بالمذهب الأشعري. أيمكن أن نستنتج من هذا على المستوى الدلالي بأن هناك نوع من الإنتقاء الديني في المغرب، هناك مجموعات دينية بعينها تتمتع بحقها في مزاولة أنشطتها و شعائرها، و أخرى مقصية؟ أيتطابق هذا مع طموح بناء دولة ديمقراطية تضمن لكل مواطنيها حق اعتناق و ممارسة الدين الذي يوافقهم، شريطة عدم فرض هذا الدين على الآخرين، كما تؤكد على ذلك منظومة حقوق الإنسان، الذي يعترف المغرب رسميا بها؟
 
يتضح الهدف الرئيسي لهذا الظهير من خلال كلام الوزير المكلف بوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، الذي تناقلته وسائل الإعلام في المغرب على نطاق واسع في بداية شهر يوليوز 2014، لشرح هذا الظهير. و نلمس فيه بوضوح كاف محاولة استيعاد انفراد الدولة بالمجال الديني في البلاد و رسم ما قد يسمى النموذج المغربي في هذا الإطار. و هو نموذج واضح المعالم، مبني على "الوسطية و الإعتدال"، يحاول انتشال الدين من السياسة و يوحي في أول وهلة بالتمييز بين الميدانين؛ و هو تمييز لا يوجد في الواقع الفعلي للمجتمع بالنظر إلى المادتين السالفتي الذكر. ما يستحق كل تأمل و تبصر هو تقديم أطروحة هيمنة الدين على السياسة و الرغبة الملحة في تحديد ميادين عملهما. و السؤال المطروح في هذا الإطار هو: من يحاول الهيمنة على الآخر في المغرب: الدين على السياسة أو العكس؟ حسب تصريحات الوزير المكلف بالميدان الديني يكون الجواب واضحا: " نخاف على السياسة من الدين". إن الهدف المعلن إذن هو حماية السياسة من الدين، و تقديم هذا الأخير كخطر على السياسة. لكن ألا يعتبر العكس هو الصحيح؟ أليست كل مأساة الإسلام هي استغلاله كمطية سياسية من طرف فاعلين سياسيين و نقابيين في كل البلاد المسلمة؟ مما يصعب فهمه إبستملوجيا هو التأكيد على "خطر الدين على السياسة" بنفس الطريقة التي يتم بها التأكيد على ضرورة الدين لتنظيم معين للمجتمع: " ونحن في حاجة إلى الدين في الحفاظ على الهوية الروحية والوحدة الوطنية للأمة، وقيمها التاريخية والحضارية، بعيدا عن الحساسيات الفئوية والمشاحنات التي تمس بقدسية وحياد بيوت الله". ألا تعتبر "الوحدة الوطنية" موضوعا سياسيا بامتياز؟
 
إذا كانت بعض المساجد في المغرب قد أصبحت بالفعل أبواقا لتيارات سياسية بعينها و التدخل المباشر لبعض الأئمة - حتى في خطب الجمعة- في السياسة، فإن هناك ميدان لا يقل خطرا، ألا و هو ميدان التربية الإسلامية في كل مستويات التعليم بالمغرب. و نعتقد بأن هذا الميدان يساهم مباشرة في مشكل تسييس بعض المساجد و أن بعض المعلمين و الأساتذة "لا يتهاونون" في المساهمة في هذا الأمر، كل بطريقته، إلى درجة تحول حصص التدريس إلى نوع من الدعاية لأفكار دينية معينة، تتنافى في عمقها مع المذهب المالكي المتبع في البلاد، و تساهم في راديكالية بعض التلاميذ. قد يقول قائل، بأن هذا ليس من اختصاص وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، و لا يحق لها أي تقنين في هذا الميدان. لكن المقصود هو أن "تخليق" ميدان الدين لا يأتي بثماره إلا إذا كان مشروعا متكاملا، تساهم فيه كل القطاعات، و بالخصوص قطاع التعليم. أعتقد بأنه ليس هناك في العالم بأسره بلد تم فيه "تسييس" و "تديين" الجامعة أكثر من المغرب، بكل ما يمثله ذلك من خطر، ليس على الدولة، بل على الأفراد و مستقبلهم، بل وعيهم و تفكيرهم. لا يوجد فرق في عرفنا بين "الجامع – المسجد" و "الجامعة"، فإذا كان المرء يحاول "طرد" السياسة من المحراب، فمن الضروري في اعتقادنا طرد كلا من السياسة و الدين من مدرجات الكليات. فالضحية الأول و الأخير هو الطالب، الذي لم يع بعد بأنه يُستغل كأداة لتحقيق أغراض بعض الأحزاب السياسية و الفرق "المتأسلمة"، و لم تعد الجامعة تَجْمَع على العلم و التحصيل و بناء مستقبل مهني و فكري، بل تفرق فيالق الطلبة إلى معسكرات. لا حرج إذا كان بعض الطلبة يريدون الإلتزام سياسيا و لربما دينيا، لكن يجب أن يتم ذلك في مقر الأحزاب، أكان توجيهها سياسيا أو دينيا، و ليس في رحاب الجامعة.

منبر

الدكتور حميد لشهب
عضو المجلس البلدي لمدينة فيلدكرخ النمساوية
حميد لشهب
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال