القائمة

الرأي

عندما تثور الصين

 

في عام 1973، صدر كتاب بعنوان «عندما تستيقظ الصين سيهتز العالم»، للسياسي والدبلوماسي الفرنسي ألان بيريفيت، وهو تقرير استقصائي عن وضع الصين في خضم الثورة الثقافية. حاول مؤلف الكتاب، الذي سيصبح مرجعاً لفهم ما يجري في الصين، فك لغز نوابض الثورة الصينية، واستشراف مستقبل الصين المعاصرة. وتتلخص فكرة الكتاب في أن الصين، بفضل ثورتها الثقافية وقوة إرادة شعبها، ستتمكن من فرض إرادتها وأفكارها على العالم. وبالفعل، هذه النبوءة في طريقها لتتحقق حالياً في الواقع.

في عام 1973، صدر كتاب بعنوان «عندما تستيقظ الصين سيهتز العالم»، للسياسي والدبلوماسي الفرنسي ألان بيريفيت، وهو تقرير استقصائي عن وضع الصين في خضم الثورة الثقافية. حاول مؤلف الكتاب، الذي سيصبح مرجعاً لفهم ما يجري في الصين، فك لغز نوابض الثورة الصينية، واستشراف مستقبل الصين المعاصرة. وتتلخص فكرة الكتاب في أن الصين، بفضل ثورتها الثقافية وقوة إرادة شعبها، ستتمكن من فرض إرادتها وأفكارها على العالم. وبالفعل، هذه النبوءة في طريقها لتتحقق حالياً في الواقع.

 

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

وعنوان الكتاب عبارة منسوبة إلى نابليون بونابورت، نطق بها، حسب ما هو متواتر عام 1816، عندما قرأ كتاب رحلة السفير البريطاني في الصين، اللورد ماكرثني. وهو ما دفع الإمبراطور الفرنسي الذي كان يحلم بحكم العالم إلى التعبير، آنذاك، عن تخوفه من التنين الصيني، عندما يستيقظ.

وكانت الصين دائماً لغزاً كبيراً مغرياً لكبار المغامرين والغزاة، ومحيراً لأشهر الرحالة والمستكشفين، من ابن بطوطة إلى ماركو بولو، وما زالت هذه البلاد تفاجئنا كل يوم، بألغازها الكبيرة والكثيرة والمحيرة. ففي سنوات قليلة، منذ الثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ، نجحت الصين في أن تنصب نفسها قوة عالمية، انتقلت من دولة زراعية فقيرة، غير معترف بها، إلى دولة تحتل خامس كرسي في مجلس الأمن. وقفز اقتصادها بقوة، لتصبح ثاني قوة اقتصادية عالمية، ويتطلع إلى انتزاع الصدارة من الاقتصاد الأميركي عام 2019، حسب ما يتوقعه الخبراء.

في التاريخ المعاصر، اشتهرت الصين بأنها بلاد الثورة الثقافية. وكان الشعار الذي رفعه ماو لثورته الثقافية عام 1966، وتردد في كل أنحاء الصين، يقول: «إنه حق أن نثور». كان شعاراً هو أمر من القائد المبجل «الشمس الحمراء»، كما كان يلقبه أتباعه الذين أصيبوا بهوس جماعي، فالثورة لا تحتاج إلى أن يأمر بها القائد، وإنما هي بركان ينفجر من دون سابق إنذار، ولا إذن من أي كان.

لذلك، عندما خرج طلاب جامعات بكين عام 1989، ليحتلوا ساحة «تينانمين»، سيواجههم أحفاد ماو من شيوخ الحزب الشيوعي بالقمع، لأنهم تجرأوا على الخروج عن طوع القيادة الملهمة للحزب! يومها كانت انتفاضة الطلاب سلمية ومبدعة، نصبوا «تمثال الديمقراطية» وسط الساحة التي كانوا يحتلوها، وأعلنوا أكبر إضراب عن الطعام عرفه التاريخ، شارك فيه الآلاف، للمطالبة بالحرية متأثرين برياح «بريسترويكا» ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس لإمبراطورية «الاتحاد السوفيتي». لكن، تلك الثورة ستجهض ليلاً، تحت جنازير دبابات «الحرس الثوري»، وستذهب ريحها سدى.

اليوم، ما يحدث في هونغ كونغ هو صدى للربيع العربي، الصدى الذي تردد في «الميدان» في كييف في أوكرانيا. فالمتظاهرون الذين احتلوا شوارع المستعمرة البريطانية السابقة طالبوا، هم الآخرون، بمزيد من الحريات وبانتخابات ديمقراطية عام 2017، يختارون فيها رئيس سلطتهم. فما يجمع بين كل هذه الثورات الربيعية رفضها الوصاية، كيفما كان نوعها ومن أي جهة كانت. إنها تعبر عن الموجة الجديدة من ثورات الشعوب، بعد ثورات الاستقلال التي طالبت باستقلال الدول وسيادتها، وثورات التحرر المطالبة بحق تقرير مصير الأمة والشعب. الآن، تشهد الشعوب ثورات من أجل كرامة الإنسان وحرية الفرد وسيادة القانون.

وإذا كانت الصين قد تعلمت الدرس من ثورة تينانمين، والثورات التي شهدتها بعض الدول العربية ودول شرق أوروبا، وآخرها ثورة أوكرانيا، ولم تلجأ إلى العنف لقمع «ثورة المظلات»، كما أٌطلق على مظاهرات هونغ كونغ، إلا أن انحسارها لا يعني نهايتها، لأن الشعوب كسرت حاجز الخوف، وستعرف دائماً كيف تٌبدع أشكالاً جديدة للثورة والانتفاضة، من أجل تحقيق حريتها وكرامتها. لكن، إلى أي حد يمكن للعالم أن يستوعب ثورة عملاقة في الصين؟

قبل قرنين، كان نابليون بونابرت قد تنبأ باهتزاز العالم، عندما تستيقظ الصين، فما الذي سيقع، عندما يثور هذا البلد الذي يضم أكثر من سدس سكان العالم؟ هذا السؤال لا يخيف فقط قادة الحزب الشيوعي في الصين، وإنما يشغل بال عواصم الغرب، ويحير الخبراء، لأن من شأن ثورة بلد المليار وأكثر أن تحدث زلزالاً في العالم، يصعب قياس مداه وسبر صداه.

ربما قد تنجح بكين في اجتياز اختبار «ثورة المظلات»، ذات الألوان الزاهية، لكن هذه الثورة ما هي سوى «بالون اختبار» لما هو آت، لأن الشعوب لن تقبل مستقبلاً بأن تمارس عليها الوصايات، فإما أن تكون حرة وتعيش كريمة، أو إن الغضب الشعبي آت. الشعوب مثل البراكين النشطة تخمد ولا تموت، وعندما تستيقظ تنفجر وتثور.

لقد نجحت حكمة الفلسفة الكونفوشيوسية، القائمة على السلم والاعتدال والحس بالمسؤولية الاجتماعية، في تجنيب الصين من زلازل الهزات الاجتماعية، لكن هذه الفلسفة التي سَنَّت قواعد السلوك السياسي المبنية على قِيم أخلاقية عليا هي نفسها التي دَعَت أتباعها إلى رفض الظلم والاستبداد والطغيان، ودَعَت الحاكم إلى خدمة الشعب، وليس العكس. إنها بساطة الحِكَم الصينية التي تختزل التاريخ وتجارب الشعوب في كلمات بسيطة وعميقة، مثل بساطة ألوان مظلات المتظاهرين وصفائها في شوارع هونغ كونغ.

زيارة موقع الكاتب: http://www.lakome2.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال