القائمة

الرأي

الإصلاحات أم الانتخابات؟

 

في أجندة الدخول السياسي والبرلماني لهذا الموسم، ثمة كثافة غير مسبوقة في المواعيد. في سِجل ما يصطلح عليه التداول العمومي المغربي بالإصلاحات الكبرى؛ يبرز الملفّان الأكثر صعوبة: التقاعد والمقاصة، وغير بعيد عن ذلك تنتصب تحديات السنة الانتخابية التي تشرف عليها بلادنا؛ بما تتطلبه من جهد سياسي وتشريعي وتنظيمي ولوجستيكي.

في أجندة الدخول السياسي والبرلماني لهذا الموسم، ثمة كثافة غير مسبوقة في المواعيد. في سِجل ما يصطلح عليه التداول العمومي المغربي بالإصلاحات الكبرى؛ يبرز الملفّان الأكثر صعوبة: التقاعد والمقاصة، وغير بعيد عن ذلك تنتصب تحديات السنة الانتخابية التي تشرف عليها بلادنا؛ بما تتطلبه من جهد سياسي وتشريعي وتنظيمي ولوجستيكي.

 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

زحمة التدابير الانتخابية المنتظرة، وضخامة التحضيرات القانونية والمادية، وتعدد الاستحقاقات المتلاحقة، كلها أمور تجعل من احترام الجدولة الزمنية التي سبق لرئيس الحكومة أن أعلن عنها في الدورة الأخيرة من الولاية التشريعية، تحدياً صعباً. في الوقت نفسه الذي يمكن معه قراءة هذه الجدولة – تقريباً- كسقف موضوعي غير قابل للالتفاف، ضماناً لانتظامية ودورية الانتخابات المحلية والجهوية.

خارج النوايا الطيبة المعلنة، فإن ما يحتكم إليه الرأي العام الوطني، هو مشروع القانون الذي يهم التقاعد، والذي أودعته الحكومة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ثم مسودتي مشروعي القانونين التنظيميين حول الجهوية والجماعات.

عدا ذلك، ينتظر الحكومة استكمال الورش المتأخر لتنزيل الوثيقة الدستورية في مفاصلها الأكثر حيوية، من حيث القوانين التنظيمية والعادية المتعلقة بالأمازيغية، والسلطة القضائية، والحق في الحصول على المعلومة، وهيئات الحكامة..، كل هذا دون أن نغفل عن إكراهات التدبير الميزانياتي للدولة، حيث يكاد زمن النقاش والمصادقة على القانون المالي يستغرق، بكلا مجلسي البرلمان، كل دورة الخريف.

في باب التحضير للانتخابات، فإننا نعيد مرة أخرى اكتشاف هشاشة الأرضية القانونية والتنظيمية التي تقف عليها أعمدة هذا الملف، إذ تعود إلى سطح النقاشات كل القضايا «الكلاسيكية»؛ انطلاقاً من اللوائح، ووصولاً إلى نمط الاقتراع، مروراً بالتقطيع وإشكالية الإشراف.

وهذا ما يعني أن القضية الانتخابية، ظلت طوال سنوات التحول الديمقراطي ببلادنا، بعيدة عن أن تشكل موضوعاً لتوافق استراتيجي بعيد المدى، وأنها ظلت أسيرة لترضيات تكتيكية قصيرة النفس لا تتعدى مدة نفاذها «السياسي» المحطة الانتخابية الواحدة.

وإذا كانت مقتضيات دستور 2011، قد مكّنت الحكومة من صلاحيات مهمة على مستوى تدبير السلطة التنفيذية، جاعلة رئيس الحكومة يتمتع باختصاصات قيادية غير مسبوقة، فإن تتابع العديد من المؤشرات، منذ «استدعاء» وزير الداخلية ليجيب عن سؤال حول الأجندة الانتخابية سبق لرئيس الحكومة أن أجاب عنه قبل أيام من ذلك، يوحي بأن صيغة «الإشراف السياسي لرئيس الحكومة والإشراف التنظيمي للداخلية»، لن تغير في شيء من ثابت احتكار الإدارة الترابية لملف الانتخابات، من أول توجهاته الكبرى إلى غاية تفاصيله الدقيقة.

التشاؤم الموضوعي تجاه إمكانيات التقدم في أفق الحل الديمقراطي للمعضلة الانتخابية، يوازيه في المقابل التخوف من سيادة «حالة انتخابية»، من شأنها أن تنتج ضعفاً كبيراً في منسوب الثقة داخل الفضاء السياسي والحزبي، وأن تعيد إنتاج وضعية حرب الجميع ضد الجميع، وأن يعلو في النهاية اللغط والمزايدات في لحظة إصلاحات صعبة وحيوية، تتطلب على الأقل مزاجاً آخر للتفكير، وحواراً بنبرة مختلفة.

لأجل ذلك، فإن الحكومة – كما باقي الطبقة السياسية – مطالبة بأن تخفف لأقصى حد ممكن، من آثار الزمن الانتخابي على زمن الإصلاحات، حتى لا تصبح السنة الانتخابية – الحاسمة في عُمر الولاية – سنة بيضاء على مستوى الإصلاح. في هذا الاحتمال ستكون هذه الحكومة قد سلخت من ولايتها سنة كاملة، لا صوت فيها يعلو على صوت الانتخابات، في انتظار أن تضيف إلى ذلك، سنتها الأخيرة، تحضيراً للتشريعات المقبلة، دون احتساب ما يقارب عاماً كاملاً كان فيها على البلاد والمؤسسات والإصلاحات، أن تنتظر مخرجاً ممكناً لصراع الأغلبية!

في بلاد كالمغرب، لا تحتاج فيه السياسة أسباباً إضافية للعجز والهشاشة، ينبغي التفكير جدياً في تزامن الانتخابات الجماعية والمهنية والجهوية والنيابية، مع الحرص على عقد مؤتمرات الأحزاب في بداية السنة الانتخابية، التي تسبق تشكيل الحكومة.

دون ذلك، علينا أن نتعبأ جميعاً لنقنع أنفسنا أولاً، قبل أن نقول للناس إن في هذا «السيرك الرديء» ما يستحق الاهتمام!

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال