القائمة

الرأي

حسن طارق يكتب:ضمير الملك

 

مع الخطاب الملكي لعيد العرش لهذه السنة، تأكدت معالم أسلوب جديد في التواصل.
 أسلوب انطلق على الأقل منذ خطاب ذكرى 20 غشت للسنة الماضية، وهو ما يقدم لنا نمطاً مغايراً في البناء اللغوي والتواصلي للخطب الملكية الأخيرة، يعتمد على أربعة عناصر أساسية: 

مع الخطاب الملكي لعيد العرش لهذه السنة، تأكدت معالم أسلوب جديد في التواصل.
 أسلوب انطلق على الأقل منذ خطاب ذكرى 20 غشت للسنة الماضية، وهو ما يقدم لنا نمطاً مغايراً في البناء اللغوي والتواصلي للخطب الملكية الأخيرة، يعتمد على أربعة عناصر أساسية: 

 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

أولها، على مستوى اللغة، تحول ملحوظ في التخلص والتحرر من تكلف الصياغة والزخرفة اللغوية، حيث يبدو الأسلوب بسيطاً مقتصداً في اللجوء إلى التعابير المعقدة، أقرب ما يكون إلى لغة التداول الصحافي اليومي. وهنا فإن إدراج عدد مهم من الأسئلة المبسطة أو ذات الطبيعة الاستنكارية، يعزز الجانب البيداغوجي في هذه الخطب.

ثانيها، على مستوى الموضوع، حيث أصبحت الخطب الجديدة تحرص على «التبئير» أو التركيز على موضوعٍ محدد، مثل التعليم، في خطاب ذكرى 20 غشت للسنة الماضية، أو الدار البيضاء، في خطاب افتتاح السنة التشريعية المنصرمة، أو الثروة، في الخطاب الأخير.

ثالثها، النبرة النقدية التي باتت تطبع هذا الجيل الجديد من الخطب، إذ فضلاً عن الوظائف التقليدية للخطب الملكية، كوسيلة للحُكم ولتدبير الصلاحيات والسلط، وكآلية للتواصل مع الخارج والداخل (شعباً ونخباً)، وكلحظة للقيادة المؤسساتية والتوجيه السياسي والاستراتيجي، أصبحت كذلك منبراً لانتقاد السياسات والوقوف على اختلالات التدبير العمومي في مستوياته الحكومية والمحلية.

رابعها، وأهمها على الإطلاق، تواتر اللجوء المتكرر إلى استعمال ضمير المتكلم الفرد.

يقول الملك في خطابه الأخير: «أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني، قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين».

وفي فقرة أخرى يقول: «غير أنني بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتان الدراستان، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم إنها همت بعض الفئات فقط؟».

ويقول، في السياق نفسه: «إنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة».

ويقول في سياق آخر: «إن عددا من الذين التقيتهم، خلال جولاتي في بعض الدول الشقيقة، يسألون باستغراب عن أسباب استمرار هذا الإغلاق، ويطلبون رفع الحواجز بين شعوبنا. وقد كان جوابي لهم دائما، أن المغرب مافتئ يدعو، منذ أزيد من ست سنوات، إلى إيجاد حل لهذا الوضع الغريب».

وفي خطاب 11 أكتوبر 2013، أمام البرلمان، نجد هذه الصيغة: «أستحضر المشاكل التي تعيشها بعض المدن كالدار البيضاء مثلا، التي أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة».

إن الحرص على استخدام ضمير المتكلم الفرد، يسمح بإضفاء طابع «مُشخص» للخطاب السياسي. ولذلك فهو يؤدي عدداً من الوظائف التواصلية، لعل منها، الرغبة في تحقيق مبتغى «القرب» من المُخاطبين، من خلال الانتقال إلى سجل جديد من التواصل غير مبني على التراتبية، ومن خلال سياق يعتمد استحضار بعض السرود (les récits) الصغرى التي ترمي إلى تقاسم الملك مع المتلقين انفعالاته الحميمية والإنسانية (مساره المدرسي الخاص/ مشاهداته الشخصية لمظاهر الفقر/ حواراته مع المواطنين).

إن اللجوء إلى ضمير المتكلم الفرد يمكن المتلقي من استقبال إيجابي لمضمون الخطاب ورسائله. فالمستمع أو القارئ، سيشعر -كما لاحظ الصديق محمد حفيظ الباحث في علم اللغة والتواصل- على المستوى التعبيري، كما لو أنه هو الذي يتكلم.

تتضح أكثر هذه الوظائف عندما نقف على استمرار استعمال ضمير المتكلم الجمع «نحن»، حيث إن سياقات هذا الاستعمال ترتبط بالصلاحيات المؤسساتية والدستورية للملك. وهنا، فإن الـ«نحن» تحيل على رئيس الدولة وعلى المغرب، في حين تحيل الـ«أنا» على محمد السادس المواطن، الذي يملك الحق في طرح الأسئلة الاستنكارية، وفي توجيه الانتقادات، وفي التعبير عن المشاعر الإنسانية الطبيعية، مثل المحبة والقلق والدهشة والغضب.

تلك بعض الملاحظات حول الشكل، في عمود قادم نتساءل حول تمثلات متن الخطب الملكية لدور ولوظيفة المؤسسة الملكية، وعما إذا كنا تجاوزنا لحظة الملكية التنفيذية إلى لحظة الملكية «الاستراتيجية».

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال