القائمة

الرأي

قضية فلسطينية عادلة ومحاميها فاشل

 

في عام 1973، تصدى مفكر مغربي هو عبد الكبير الخطيبي لمفكر فرنسي كبير هو جان بول سارتر، الذي دفعته أصوله اليهودية إلى التعبير عن مساندته غير المشروطة للمشروع الصهيوني، ربما تضامنا مع الدولة العبرية بعد الحرب التي خاضها العرب آنذاك ضد المحتل الإسرائيلي لأراضي خمس دول عربية هي فلسطين ومصر والأردن ولبنان وسوريا.

في عام 1973، تصدى مفكر مغربي هو عبد الكبير الخطيبي لمفكر فرنسي كبير هو جان بول سارتر، الذي دفعته أصوله اليهودية إلى التعبير عن مساندته غير المشروطة للمشروع الصهيوني، ربما تضامنا مع الدولة العبرية بعد الحرب التي خاضها العرب آنذاك ضد المحتل الإسرائيلي لأراضي خمس دول عربية هي فلسطين ومصر والأردن ولبنان وسوريا.

 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

حمل مقال الخطيبي، الذي جاء في صيغة كتاب عنوانا مستفزا حد السخرية هو "دموع سارتر"، انتقد فيه المفكر المغربي بقوة مؤسس "الوجودية" في فترة لم يكن أحد يجرؤ فيها على الوقوف في وجه سارتر، وبالأحرى انتقاده. وفي ذلك الكتاب السجالي، سيقف الخطيبي مدافعا عن حق الفلسطينيين في الحياة منتقدا موقف سارتر المؤيد للمشروع الصهيوني، ومشبها دموعه بدموع التماسيح، معتبرا أن موقف مؤسس "الوجودية" يعكس ازدواجية الخطاب الغربي، ويكشف عما يعانيه ذلك الموقف من تمزق داخلي يشكل عاراَ على "الرأي العام الغربي".

هذه الازدواجية في الموقف تجاه القضية الفلسطينية التي انتقدها الخطيبي قبل أربعين عاما عند أحد أعمدة الفكر الغربي المعاصر، مازالت تطبع جزءا كبيرا من الرأي العام الغربي، وخاصة لدى مسؤوليه وصناع قراره. فرغم خروج مظاهرات معدودة في العديد من العواصم الغربية منددة بالهجوم الهمجي لإسرائيل على سكان غزة، الذي استهدف الكثير من المدنيين، إلا أن هذا التحرك مازال محدودا، واقتصر في أغلب الحالات على الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في الغرب.

دخل العدوان الإسرائيلي أسبوعه الثالث وتجاوز عدد ضحاياه 715 قتيلا وقرابة خمسة آلاف جريح أغلبهم من المدنيين العزل، وغالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ومع ذلك مازال الغرب يقف محايدا ما بين الضحية والجلاد. نفس الغرب الذي أعلن حالة استنفار قصوى أثناء الأزمة الأوكرانية، واتخذ عقوبات اقتصادية ضد دولة عظمى مثل روسيا، مازال يدافع حتى اليوم عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، رغم أن الصواريخ الفلسطينية يدوية الصنع لم تقتل سوى جنود النخبة في الجيش الإسرائيلي وأثناء توغلهم في أراضي غزة!

فرغم عدالة القضية الفلسطينية التي تجسد في عمقها مأساة شعب احتلت أرضه واغتصبت حقوقه، إلا أنها مازالت في حاجة إلى شرحها لشرائح واسعة من الرأي العام الغربي المتأثر بالدعاية الإسرائيلية التي تصور الفلسطيني كإرهابي ومتعطش للدماء، وهو الذي منه المشرد واللاجئ والمعتقل والمحاصر والجريح والقتيل.

عقب الانتفاضة الفلسطينية، بداية الألفية الحالية، ظهرت استطلاعات رأي في العواصم الغربية تعكس الاتجاه السائد داخل الرأي العام الغربي، والذي كان ينظر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، بأنه يشكل أكبر خطر على السلم الدولي. يومها لم يبلغ ضحايا شارون كل هذا العدد الهائل والمتزايد من الضحايا، ولم يصل عنفه حد البشاعة التي تلقى بها القنابل على البيوت لتهدمها على رؤوس سكانها، كما لم تحمل الصور الحية والمقززة والمفجعة مشهد السقوط المدوي لصاروخ إسرائيلي حصد أرواح أطفال أبرياء كانوا يركضون فرحين على شاطئ غزة المنكوب!

يعتقد العرب والفلسطينيون بأن عدالة القضية الفلسطينية كافية لوحدها بأن تضمن لهم التأييد الشعبي التلقائي على مستوى العالم الغربي من دون الحاجة إلى بذل الجهد لإدامة هذا التأييد، وكأن الأمر يتعلق بمسلمات ثابتة غير قابلة للتأثر!

إن ما يمكن أن نتحدث عنه هو نوع من الصدمات التي تهز ضمير جزء صغير من الرأي العام الغربي أثناء مراحل النكبات التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وسرعان ما يعود التعاطف والتأييد لإسرائيل رغم بشاعة سجلها الإجرامي، لتعود النخب الحاكمة والمؤثرة في صناعة القرار والرأي العام إلى مواقفها المساندة لإسرائيل. والسبب يكمن دائما في ضعف الآلة الدعائية العربية في شرح قضيتها. فمهما كانت قضية الفلسطينيين عادلة في نظرهم ونظر من يؤيدهم إلا أنه لا يمكن ربحها أمام الرأي العام الغربي، إذا ما ظلت بيد محام فاشل!

زيارة موقع الكاتب: http://www.lakome2.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال